للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ: حَشْرَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِذْ لَا مُنَاسِبَةَ لَهُ هُنَا وَلَا يُلَائِمُ ذِكْرَ لَفْظِ «أَوَّلِ» لِأَنَّ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّمَا يَكُونُ مُتَّحِدَ النَّوْعِ مَعَ مَا أُضِيفَ هُوَ إِلَيْهِ.

وَعَنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى حَشْرِ الْقِيَامَةِ وَرَكَّبُوا عَلَى ذَلِكَ أَوْهَامًا فِي أَنَّ حَشْرَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ بِأَرْضِ الشَّامِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ احْتَرَزَ مِنْ هَذَا حِينَ سَمَّى هَذِهِ السُّورَةَ «سُورَةُ بَنِي النَّضِيرِ» وَفِي جَعْلِ هَذَا الْإِخْرَاجِ وَقْتًا لِأَوَّلِ الْحَشْرِ إِيذَانٌ بِأَنَّ حَشْرَهُمْ يَتَعَاقَبُ حَتَّى يَكْمُلَ إِخْرَاجُ جَمِيعِ الْيَهُودِ وَذَلِكَ مَا أَوْصَى بِهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَيْلَ وَفَاتِهِ إِذْ

قَالَ: «لَا يَبْقَى دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»

. وَقَدْ أَنْفَذَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ أَجْلَى الْيَهُودَ مِنْ جَمِيعِ بِلَادِ الْعَرَبِ. وَقِيلَ: وُصِفَ الْحَشْرُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَوَّلَ جَلَاءٍ أَصَابَ بَنِي النَّضِيرِ، فَإِنَّ الْيَهُودَ أُجْلُوا مِنْ فِلَسْطِينَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي زَمَنِ (بُخْتَنَصَّرَ) وَمَرَّةً فِي زَمَنِ (طَيْطَسَ) سُلْطَانِ الرُّومِ وَسَلِمَ بَنُو النَّضِيرِ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْجَلَاءِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ. فَكَانَ أَوَّلَ جَلَاءٍ أَصَابَهُمْ جَلَاءُ بَنِي النَّضِيرِ.

وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ.

أَيْ كَانَ ظَنُّ الْمُسْلِمِينَ وَظَنُّ أَهْلِ الْكِتَابِ مُتَوَارَدَيْنِ عَلَى تَعَذُّرِ إِخْرَاجِ بَنِي النَّضِيرِ مِنْ قَرْيَتِهِمْ بِسَبَبِ حَصَانَةِ حُصُونِهِمْ.

وَكَانَ الْيَهُودُ يَتَّخِذُونَ حُصُونًا يأوون إِلَيْهَا عِنْد مَا يَغْزُوهُمُ الْعَدُوُّ مِثْلَ حُصُونِ خَيْبَرَ.

وَكَانَتْ لِبَنِي النَّضِيرِ سِتَّةُ حُصُونٍ أَسْمَاؤُهَا: الْكُتَيْبَةُ (بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ) وَالْوَطِيحُ (بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الطَّاءِ) وَالسُّلَالِمُ (بِضَمِّ السِّينِ) وَالنَّطَاةُ (بِفَتْحِ النُّونِ وَفَتْحِ الطَّاءِ بعْدهَا ألف وبهاء تَأْنِيثُ آخِرِهِ) وَالْوَخْدَةُ (بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ) وَشَقُّ (بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ) .

وَنَظَمَ جُمْلَةَ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ عَلَى هَذَا النَّظْمِ دُونَ أَنْ يُقَالَ: وَظَنُّوا أَنَّ حُصُونَهُمْ مَانِعَتُهُمْ لِيَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِضَمِيرِهِمْ لِأَنَّهُ سَيَعْقُبُهُ إِسْنَادُ مانِعَتُهُمْ إِلَيْهِ فَيَكُونُ الِابْتِدَاءُ بِضَمِيرِهِمْ مُشِيرًا إِلَى اغْتِرَارِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ فِي عِزَّةٍ وَمَنَعَةٍ، وَأَنَّ مَنَعَةَ حُصُونِهِمْ هِيَ مِنْ شُؤُونِ عِزَّتِهِمْ.