للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِثْلَ الْآيَةِ قَبْلَهَا تَنْبِيهًا عَلَى قَتْلِ الْمُحَارِبِ وَلَوْ كَانَ وَقْتَ الْعُثُورِ عَلَيْهِ غَيْرَ مُبَاشِرٍ لِلْقِتَالِ وَأَنَّهُ مَنْ خَرَجَ مُحَارِبًا فَهُوَ قَاتِلٌ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ.

وثَقِفْتُمُوهُمْ بِمَعْنَى لَقِيتُمُوهُمْ لِقَاءَ حَرْبٍ وَفِعْلُهُ كَفَرِحَ، وَفَسَّرَهُ فِي «الْكَشَّافِ» بِأَنَّهُ وُجُودٌ عَلَى حَالَةِ قَهْرٍ وَغَلَبَةٍ.

وَقَوْلُهُ: وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ أَيْ يَحِلُّ لَكُمْ حِينَئِذٍ أَنْ تُخْرِجُوهُمْ مِنْ مَكَّةَ الَّتِي أَخْرَجُوكُمْ مِنْهَا، وَفِي هَذَا تَهْدِيدٌ لِلْمُشْرِكِينَ وَوَعْدٌ بِفَتْحِ مَكَّةَ، فَيَكُونُ هَذَا اللِّقَاءُ

لِهَذِهِ الْبُشْرَى فِي نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَسْعَوْا إِلَيْهِ حَتَّى يُدْرِكُوهُ وَقَدْ أَدْرَكُوهُ بَعْدَ سَنَتَيْنِ، وَفِيهِ وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ بِالنَّصْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ [الْفَتْح: ٢٧] الْآيَةَ.

وَقَوْلُهُ: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ تَذْيِيلٌ وأل فِيهِ لِلْجِنْسِ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْمَقَامِ الْخِطَابِيِّ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَنَفْيٌ لِلتَّبِعَةِ عَنْهُمْ فِي الْقِتَالِ بِمَكَّةَ إِنِ اضْطُرُّوا إِلَيْهِ.

وَالْفِتْنَةُ إِلْقَاءُ الْخَوْفِ وَاخْتِلَالُ نِظَامِ الْعَيْشِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [الْبَقَرَة: ١٠٢] ، إِشَارَةٌ إِلَى مَا لَقِيَهُ الْمُؤْمِنُونَ فِي مَكَّةَ مِنَ الْأَذَى بِالشَّتْمِ وَالضَّرْبِ وَالسُّخْرِيَةِ إِلَى أَنْ كَانَ آخِرُهُ الْإِخْرَاجَ مِنَ الدِّيَارِ وَالْأَمْوَالِ، فَالْمُشْرِكُونَ مَحْقُوقُونَ مِنْ قَبْلُ فَإِذَا خَفَرُوا الْعَهْدَ اسْتَحَقُّوا الْمُؤَاخَذَةَ بِمَا مَضَى فِيمَا كَانَ الصُّلْحُ مَانِعًا مِنْ مُؤَاخَذَتِهِمْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَتِ الْفِتْنَةُ أَشَدَّ مِنَ الْقَتْلِ لَتَكَرُّرِ إِضْرَارِهَا بِخِلَافِ أَلَمِ الْقَتْلِ، وَيُرَادُ مِنْهَا أَيْضًا الْفِتْنَةُ الْمُتَوَقَّعَةُ بِنَاءً عَلَى تَوَقُّعِ أَنْ يَصُدُّوهُمْ عَنِ الْبَيْتِ أَوْ أَنْ يَغْدُرُوا بِهِمْ إِذَا حَلُّوا بِمَكَّةَ، وَلِهَذَا اشْتَرَطَ الْمُسْلِمُونَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْعَامَ الْقَابِلَ بِالسُّيُوفِ فِي قِرَابِهَا، وَالْمَقْصِدُ مِنْ هَذَا إِعْلَانُ عُذْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي قِتَالِهِمُ الْمُشْرِكِينَ وَإِلْقَاءُ بُغْضِ الْمُشْرِكِينَ فِي قُلُوبِهِمْ حَتَّى يَكُونُوا عَلَى أَهُبَّةِ قِتَالِهِمْ وَالِانْتِقَامِ مِنْهُمْ بِصُدُورٍ حَرِجَةٍ حَنِقَةٍ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْفِتْنَةِ خُصُوصَ الْإِخْرَاجِ مِنَ الدِّيَارِ، لِأَنَّ التَّذْيِيلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنَ الْكَلَامِ الْمُذَيَّلِ.