للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) .

الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ الَّتِي أَفَادَتِ الْأَمْرَ بِتَتَبُّعِ الْمُقَاتِلِينَ بِالتَّقْتِيلِ حَيْثُمَا حَلُّوا سَوَاءٌ كَانُوا مُشْتَبِكِينَ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ أَمْ كَانُوا فِي حَالَةِ تَنَقُّلٍ أَوْ تَطَلُّعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْمُحَارِبِ لَا تَنْضَبِطُ وَلَيْسَتْ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ لِلنَّظَرِ فِي نَوَايَاهُ وَالتَّوَسُّمِ فِي أَغْرَاضِهِ، إِذْ قد يبادره إِلَى اغْتِيَالِ عَدُوِّهِ فِي حَالِ تَرَدُدِّهِ وَتَفَكُّرِهِ، فَخَصَّ الْمَكَانَ الَّذِي عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ عُمُومِ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي شَمِلَهَا قَوْلُهُ: حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ أَيْ إِنْ ثَقِفْتُمُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غَيْرَ مُشْتَبِكِينَ فِي قِتَالٍ مَعَكُمْ فَلَا تَقْتُلُوهُمْ، وَالْمَقْصِدُ مِنْ هَذَا حِفْظُ حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُ بِقَوْلِهِ: مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [آل عمرَان: ٩٧] ، فَاقْتَضَتِ الْآيَةُ مَنْعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَتَدُلُّ عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْ أَنْ يَقْتُلُوا أَحَدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ دُونَ قِتَالٍ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

بِدَلَالَةِ لَحْنِ الْخِطَابِ أَوْ فَحْوَى الْخِطَابِ.

وَجُعِلَتْ غَايَةَ النَّهْيِ بِقَوْلِهِ: حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ أَيْ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ فَاقْتُلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لِأَنَّهُمْ خَرَقُوا حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَوْ تُرِكَتْ مُعَامَلَتُهُمْ بِالْمِثْلِ لَكَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى هَزِيمَةِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَادَ أَمْرُ الْمُسْلِمِينَ بِمُقَاتَلَتِهِمْ إِلَى مَا كَانَ قَبْلَ هَذَا النَّهْيِ فَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَتْلُ مَنْ ثُقِفُوا مِنْهُمْ كَذَلِكَ.

وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاقْتُلُوهُمْ تَنْبِيهٌ عَلَى الْإِذْنِ بِقَتْلِهِمْ حِينَئِذٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ اشْتِبَاكٍ مَعَهُمْ بِقِتَالٍ، لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ مِنْ أَنْ يَتَّخِذُوا حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَسِيلَةً لَهَزْمِ الْمُسْلِمِينَ.

وَلِأَجْلِ ذَلِكَ جَاءَ التَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ: فَاقْتُلُوهُمْ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْقَتْلَ بِدُونِ قِتَالٍ وَالْقَتْلَ بِقِتَالٍ.

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ قاتَلُوكُمْ أَيْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَاقْتُلُوهُمْ هُنَالِكَ، أَيْ فَاقْتُلُوا مَنْ ثَقِفْتُمْ مِنْهُمْ حِينَ الْمُحَارَبَةِ، وَلَا يَصُدُّكُمُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ عَنْ تَقَصِّي آثَارِهِمْ لِئَلَّا يَتَّخِذُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَام ملْجأ يلجؤون إِلَيْهِ إِذَا انْهَزَمُوا.

وَقَدِ احْتَارَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي انْتِظَامِ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ قَوْلِهِ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الْبَقَرَة: ١٩٠] إِلَى قَوْلِهِ هُنَا- كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ حَتَّى لَجَأَ بَعْضُهُمْ إِلَى دَعْوَى نَسْخِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ