مُقْتَضَى الْآيَةِ.
وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِوُجُوبِ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا سَوَاءً كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا سُكْنَى إِلَّا لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ، وَعَلَّلَ وُجُوبَ الْإِسْكَانِ لِلْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِعِدَّةِ أُمُورٍ: حَفِظُ النَّسَبِ، وَجَبْرُ خَاطِرِ الْمُطَلَّقَةِ وَحِفْظُ عِرْضِهَا. وَسَيَجِيءُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ [الطَّلَاق: ٦] الْآيَةَ. وَتَعْلَمُ أَن ذَلِك تَأْكِيدًا لِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وُجُوبِ الْإِسْكَانِ فِي الْعِدَّةِ أُعِيدَ لِيُبَيَّنَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مِنْ وُجْدِكُمْ [الطَّلَاق: ٦] وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِيهِ إِذَا وَرَدَ بَعْدَ جُمَلٍ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ لِعُلَمَاءِ الْأُصُولِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْأَخِيرَةِ مِنْهُمَا وَهُوَ مُقْتَضَى كَوْنِهِ مُوَافِقًا لِضَمِيرِهَا إِذْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي كِلْتَيْهِمَا ضَمِيرَ النِّسْوَةِ. وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومِ الْأَحْوَالِ الَّتِي اقْتَضَاهَا عُمُومُ الذَّوَاتِ فِي قَوْلِهِ: لَا تُخْرِجُوهُنَّ وَلا يَخْرُجْنَ. فَالْمَعْنَى: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ فَأَخْرَجُوهُنَّ أَوْ لِيَخْرُجْنَ، أَيْ يُبَاحُ لَكُمْ إِخْرَاجُهُنَّ وَلَيْسَ لَهُنَّ الِامْتِنَاعُ مِنَ الْخُرُوجِ وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ.
وَالْفَاحِشَةُ: الْفِعْلَةُ الشَّدِيدَةُ السُّوءِ بِهِذَا غَلَبَ إِطْلَاقُهَا فِي عُرْفِ اللُّغَةِ فَتَشْمَلُ الزِّنَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ الْآيَةُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١٥] .
وَشَمِلَ غَيْرَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ ذَاتِ الْفَسَادِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا [الْأَعْرَاف: ٢٨] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٣٣] . قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْفَاحِشَةُ مَتَى وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ مُعَرَّفَةً فَهِيَ الزِّنَا (يُرِيدُ أَوْ مَا يُشْبِهُهُ) كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ [الْأَعْرَاف: ٨٠] وَمَتَى وَرَدَتْ مُنَكَّرَةً فَهِيَ الْمَعَاصِي.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مُبَيِّنَةٍ بِكَسْرِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، أَيْ هِيَ تُبَيِّنُ لِمَنْ تَبْلُغُهُ أَنَّهَا فَاحِشَةٌ عَظِيمَةٌ فَإِسْنَادُ التَّبْيِينِ إِلَيْهَا مَجَازٌ بِاسْتِعَارَةِ التَّبْيِينِ لِلْوُضُوحِ أَوْ تَبْيِينٌ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ صُدُورَهَا مِنَ الْمَرْأَةِ فَيَكُونُ إِسْنَادُ التَّبْيِينِ إِلَى الْفَاحِشَةِ مَجَازًا عَقْلِيًّا وَإِنَّمَا الْمُبِيِّنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute