للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالَّذِي تَخَلَّصَ لِي أَنَّ حِكْمَةَ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ أَنَّهَا حِفْظُ الْأَعْرَاضِ فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ يَكْثُرُ الْتِفَاتُ الْعُيُونِ لَهَا وَقَدْ يَتَسَرَّبُ سُوءُ الظَّنِّ إِلَيْهَا فَيَكْثُرُ الِاخْتِلَافُ عَلَيْهَا وَلَا تَجِدُ ذَا عِصْمَةٍ يَذُبُّ عَنْهَا فَلِذَلِكَ شُرِعَتْ لَهَا السُّكْنَى وَلَا تَخْرُجُ إِلَّا لِحَاجِيَاتِهَا فَهَذِهِ حِكْمَةٌ مِنْ قَبِيلِ الْمَظِنَّةِ فَإِذَا طَرَأَ عَلَى الْأَحْوَالِ مَا أَوْقَعَهَا فِي الْمَشَقَّةِ أَوْ أَوْقَعَ النَّاسَ فِي مَشَقَّةٍ مِنْ جَرَّائِهَا أُخْرِجَتْ

مِنْ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ وَجَرَى عَلَى مُكْثِهَا فِي الْمَسْكَنِ الَّذِي تَنْتَقِلُ إِلَيْهِ مَا يَجْرِي عَلَيْهَا فِي مَسْكَنِ مُطَلِّقِهَا لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ قَدْ عَارَضَتْهَا مَئِنَّةٌ. وَمِنَ الْحُكْمِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَدْ لَا تَجِدُ مَسْكَنًا لِأَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ لَمْ تَكُنْ لَهُنَّ أَمْوَالٌ وَإِنَّمَا هُنَّ عِيَالٌ عَلَى الرِّجَالِ فَلَمَّا كَانَتِ الْمُعْتَدَّةُ مَمْنُوعَةً مِنَ التَّزَوُّجِ كَانَ إِسْكَانُهَا حَقًّا عَلَى مُفَارِقِهَا اسْتِصْحَابًا لِلْحَالِ حَتَّى تَحِلَّ لِلتَّزَوُّجِ فَتَصِيرَ سُكْنَاهَا عَلَى مَنْ يَتَزَوَّجُهَا. وَيُزَادُ فِي الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ قَصْدُ اسْتِبْقَاءِ الصِّلَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُطَلِّقِهَا لَعَلَّهُ أَنْ يَثُوبَ إِلَيْهِ رُشْدُهُ فَيُرَاجِعَهَا فَلَا يَحْتَاجُ فِي مُرَاجَعَتِهَا إِلَى إِعَادَةِ التَّذَاكُرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهَا. فَهَذَا مَجْمُوعُ عِلَلٍ فَإِذَا تَخَلَّفَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا لَمْ يَتَخَلَّفِ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّلَ بِعِلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ لَا يُبْطِلُهُ سُقُوطُ بَعْضِهَا بِخِلَافِ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ إِذَا تَخَلَّفَ جُزْءٌ مِنْهَا.

وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ.

الْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَلا يَخْرُجْنَ، وَجُمْلَةِ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً أُرِيدَ بِهِذَا الِاعْتِرَاضِ الْمُبَادَرَةُ بِالتَّنْبِيهِ إِلَى إِقَامَةِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِقَامَةً لَا تَقْصِيرَ فِيهَا وَلَا خِيَرَةَ لِأَحَدٍ فِي التَّسَامُحِ بِهَا، وَخَاصَّةً الْمُطَلَّقَةُ وَالْمُطَلِّقُ أَنْ يَحْسَبَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَقِّهِمَا انْفِرَادًا أَوِ اشْتِرَاكًا.

وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِاعْتِبَارِ مَعَانِيهَا بِتَأْوِيلِ الْقَضَايَا.

وَالْحُدُودُ: جَمْعُ حَدٍّ وَهُوَ مَا يَحُدُّ، أَيْ يَمْنَعُ مِنَ الِاجْتِيَازِ إِلَى مَا وَرَائِهِ لِلْأَمَاكِنِ الَّتِي لَا يُحِبُّونَ الِاقْتِحَامَ فِيهَا إِمَّا مُطْلَقًا مِثْلَ حُدُودِ الْحِمَى وَإِمَّا لِوُجُوبِ تَغْيِيرِ الْحَالَةِ مِثْلَ حُدُودِ الْحَرَمِ لِمَنْعِ الصَّيْدِ وَحُدُودِ الْمَوَاقِيتِ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مُشَابِهَةٌ الْحُدُودَ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ فِي هَذَا.