وَوَجْهُ الشَّبَهِ إِنَّمَا يُرَاعَى بِمَا يَسْمَحُ بِهِ عُرْفُ الْكَلَامِ مِثْلَ قَوْلِهِمْ: «النَّحْوُ فِي الْكَلَامِ كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ» فَإِنَّ وَجْهَ التَّشْبِيهِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ الْكَلَامُ بِدُونِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُقْتَضٍ أَنْ يَكُونَ الْكَثِيرُ مِنَ النَّحْوِ فِي الْكَلَامِ مُفْسِدًا كَكَثْرَةِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ.
وَوُقُوعُ حُدُودُ اللَّهِ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ الَّذِي أُشِيرَ بِهِ إِلَى أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ يَجْعَلُ إِضَافَةَ حُدُودٍ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ مُرَادًا مِنْهَا تَشْرِيفُ الْمُضَافِ وَتَعْظِيمُهُ.
وَالْمَعْنَى: وَتِلْكَ مِمَّا حَدَّ اللَّهُ فَلَا تُفِيدُ تَعْرِيفَ الْجَمْعِ بِالْإِضَافَةِ عُمُومًا لِصَرْفِ الْقَرِينَةِ عَنْ إِفَادَةِ ذَلِكَ لِظُهُورِ أَنَّ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ الْمُعَيَّنَةَ لَيْسَتْ جَمِيعَ حُدُودِ اللَّهِ.
وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ.
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ، وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ. فَهُوَ تَتْمِيمٌ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّذْيِيلِ وَإِذْ قَدْ كَانَ حُدُودُ اللَّهِ جَمْعًا مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ كَانَ مُفِيدًا لِلْعُمُومِ إِذْ لَا صَارِفَ عَنْ إِرَادَةِ الْعُمُومِ بِخِلَافِ إِضَافَةِ حُدُودِ اللَّهِ السَّابِقِ.
وَالْمَعْنَى: مَنْ يَتَعَدَّ شَيْئًا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ:
وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِاخْتِلَافِ هَذَيْنِ الْمُرَكَّبَيْنِ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَجِيءَ بِهَذَا الْإِطْنَابِ لِتَهْوِيلِ أَمْرِ هَذَا التَّعَدِّي.
وَأُخْبِرَ عَنْ مُتَعَدِّيهَا بِأَنَّهُ ظَلَمَ نَفْسَهُ لِلتَّخْوِيفِ تَحْذِيرًا مِنْ تَعَدِّي هَذِهِ الْحُدُودِ فَإِنَّ ظُلْمَ النَّفْسِ هُوَ الْجَرِيرَةُ عَلَيْهَا بِمَا يَعُودُ بِالْإِضْرَارِ وَذَلِكَ مِنْهُ ظُلْمٌ لَهَا فِي الدُّنْيَا بِتَعْرِيضِ النَّفْسِ لِعَوَاقِبَ سَيِّئَةٍ تَنْجَرُّ مِنْ مُخَالَفَةِ أَحْكَامِ الدِّينِ لِأَنَّ أَحْكَامَهُ صَلَاحٌ لِلنَّاسِ فَمَنْ فَرَّطَ فِيهَا فَاتَتْهُ الْمَصَالِحُ الْمُنْطَوِيَةُ هِيَ عَلَيْهَا.
قَالَ: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. [الْمَائِدَة: ٦] .
وَمِنْهُ ظُلْمٌ لِلنَّفْسِ فِي الْآخِرَةِ بِتَعْرِيضِهَا لِلْعِقَابِ الْمُتَوَعَّدِ بِهِ عَلَى الْإِخْلَالِ بِأَحْكَامِ الدِّينِ قَالَ تَعَالَى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر: ٥٦- ٥٨]