انْتِظَارِهَا عَلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ) . فَإِذَا بَلَغَتْ سِنَّ الْيَأْسِ دُونَ رِيبَةٍ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِئِذٍ. وَنَحْنُ نَتَأَوَّلُ لَهُ بِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ: فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، أَيْ بَعْدَ زَوَالِ الِارْتِيَابِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَشْهُرِ بَعْدَ مُضِيِّ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ تَبْلُغُ بِهَا سِنَّ مَنْ لَا يُشْبِهُ أَنْ تَحِيضَ تَعَبُّدٌ، لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْحَمْلِ قَدِ اتَّضَحَ وَانْتِظَارَ الْمُرَاجَعَةِ قَدِ امْتَدَّ. إِلَّا أَنْ نَعْتَذِرَ لَهُمْ بِأَنَّ مُدَّةَ الِانْتِظَارِ لَا يَتَحَفَّزُ فِي خِلَالِهَا الْمُطَلِّقُ لِلرَّأْيِ فِي أَمْرِ الْمُرَاجَعَةِ لِأَنَّهُ فِي سِعَةِ الِانْتِظَارِ فَيُزَادُ فِي الْمُدَّةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَفِي «تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ» : «قَالَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ: مِنَ الرِّيبَةِ الْمَرْأَةُ الْمُسْتَحَاضَةُ الَّتِي لَا يَسْتَقِيمُ لَهَا الْحيض تحيض فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ مِرَارًا، وَفِي الْأَشْهُرِ مَرَّةً (أَيْ بِدُونَ انْضِبَاطٍ) » اه. وَنَقْلَ الطَّبَرِيُّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَابْنِ زَيْدٍ، فَيَجِبُ أَنْ يُصَارَ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ. وَالْمَرْأَةُ إِذَا قَارَبَتْ وَقْتَ الْيَأْسِ لَا يَنْقَطِع عَنْهَا الْمَحِيض دُفْعَةً وَاحِدَةً بَلْ تَبْقَى عِدَّةَ أَشْهُرٍ يَنْتَابُهَا الْحَيْضُ غِبًّا بِدُونِ انْتِظَامٍ ثُمَّ يَنْقَطِعُ تَمَامًا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ عَطْفٌ عَلَى وَاللَّائِي يَئِسْنَ وَالتَّقْدِيرُ: عِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَيَحْسُنُ الْوُقُفُ عَلَى قَوْلِهِ: فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ.
وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.
مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ فَهِيَ إِتْمَامٌ لِأَحْوَالِ الْعِدَّةِ الْمُجْمَلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطَّلَاق: ١] وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ مِنْهُنَّ، أَيْ مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.
فَحَصَلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا تَفْصِيلٌ لِأَحْوَالِ الْمُطَلَّقَاتِ وَحَصَلَ أَيْضًا مِنْهَا بَيَانٌ لِإِجْمَالِ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَأُولاتُ اسْمُ جَمْعٍ لِذَاتٍ بِمَعْنَى: صَاحِبَةٍ. وَذَاتُ: مُؤَنَّثُ ذُو، بِمَعْنَى:
صَاحِبٍ. وَلَا مُفْرَدَ لِ أُولاتُ مِنْ لَفْظِهِ كَمَا لَا مُفْرَدَ لِلَفْظِ (أولو) وأُولاتُ مِثْلُ ذَوَاتٍ كَمَا أَنَّ أُولُو مِثْلُ ذَوُو. وَيُكْتَبُ أُولاتُ بِوَاوٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ فِي الرَّسْمِ تَبَعًا لِكِتَابَةِ لَفْظِ (أُولُو) بِوَاوٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ لِقَصْدِ التَّفْرِقَةِ فِي الرَّسْمِ بَيْنَ أُولِي فِي حَالَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute