النَّصْبِ وَالْجَرِّ وَبَيْنَ حَرْفِ (إِلَى) . وَلَيْتَهُمْ قَصَرُوا كِتَابَتَهُ بِوَاوٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ عَلَى لَفْظِ أُولِي الْمُذَكَّرِ الْمَنْصُوبِ أَوِ
الْمَجْرُورِ وَتَرَكُوا التَّكَلُّفَ فِي غَيْرِهِمَا.
وَجُعِلَتْ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْحَامِلِ مَنْهَاةً بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ لَا أَدَلَّ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْهُ، إِذِ الْغَرَضُ الْأَوَّلُ مِنَ الْعِدَّةِ تَحَقُّقُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ وَلَدٍ لِلْمُطَلَّقِ أَوْ ظُهُورِ اشْتِغَالِ الرَّحِمِ بِجَنَيْنٍ لَهُ. وَضُمَّ إِلَى ذَلِكَ غَرَضٌ آخَرُ هُوَ تَرَقُّبُ نَدَمِ الْمُطَلِّقِ وَتَمْكِينُهُ مِنْ تَدَارُكِ أَمْرِهِ بِالْمُرَاجَعَةِ، فَلَمَّا حَصَلَ الْأَهَمُّ أُلْغِيَ مَا عَدَاهُ رَعْيًا لِحَقِّ الْمَرْأَةِ فِي الِانْطِلَاقِ مِنْ حَرَجِ الِانْتِظَارِ، على أَن وضع الْحَمْلَ قَدْ يَحْصُلُ بِالْقُرْبِ مِنَ الطَّلَاقِ فَأُلْغِيَ قَصْدُ الِانْتِظَارِ تَعْلِيلًا بِالْغَالِبِ دُونَ النَّادِرِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: عَلَيْهَا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالب وَابْن عَبَّاس.
وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ لَا تَتَعَارَضُ هَذِهِ الْآيَةُ مَعَ آيَةِ عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٣٤] وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً لِأَنَّ تِلْكَ فِي وَادٍ وَهَذِهِ فِي وَادٍ، تِلْكَ فِي شَأْنُ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ وَهَذِهِ فِي شَأْنِ الْمُطَلَّقَاتِ.
وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ أَجَلُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا مُنْحَصِرَةً حِكْمَتُهُ فِي تَحَقُّقِ بَرَاءَةِ رَحِمِ امْرَأَةِ الْمُتَوَفَّى مِنْ وَلَدٍ لَهُ إِذْ لَهُ فَائِدَةَ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ (وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ جَعَلَتْ ذَلِكَ لِغَرَضِ الْحُزْنِ عَلَى الزَّوْجِ الْمُتَوَفَّى لِلْقَطْعِ بِأَنَّ هَذَا مَقْصِدٌ جَاهِلِيٌّ) ، وَقَدْ دَلَّتِ الشَّرِيعَةُ فِي مَوَاضِعَ عَلَى إِبْطَالِهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ فِي تَصَارِيفَ كَثِيرَةٍ كَمَا بَيَّنَاهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ إِلَخْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٣٤] .
وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ غَايَةٌ لِحُصُولِ هَذَا الْمَقْصِدِ نَجَمَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلَ إِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا تَخْرُجُ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةِ زَوْجِهَا وَلَا تُقَضِّي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا كَمَا أَنَّهَا لَوْ كَانَ أَمَدُ حَمْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَعَشْرٍ إِذْ لَا حِكْمَةَ فِي ذَلِكَ.
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَتِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ وَضْعُ حَمْلِهَا سَوَاءً كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ أَمْ كَانَتْ مُعْتَدَّة من وَفَاةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute