وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ: إِنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا كَعِدَّتِهَا مِنَ الطَّلَاقِ وَضْعُ حَمْلِهَا غَيْرَ أَنَّ أَقْوَالَهُمْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْنَهُمْ مَنْ كَانُوا يَرَوْنَ فِي تَعَارُضِ الْعُمُومَيْنِ أَنَّ الْعَامَّ الْمُتَأَخِّرَ مِنْهُمَا يَنْسَخُ الْعَامَّ الْآخَرَ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ.
رَوَى أَهْلُ الصَّحِيحِ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي عِدَّةِ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: إِنَّ عَلَيْهَا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ- أَيْ أَجَلِ وَضْعِ الْحَمْلِ وَأَجَلِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ- قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى- أَيْ سُورَةُ الطَّلَاقِ- بَعْدَ الطُّولَى- أَيْ بَعْدَ طُولَى السُّوَرِ وَهِيَ الْبَقَرَةُ-، أَيْ لَيْسَتْ آيَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِنَاسِخَةٍ لِمَا فِي آيَةِ سُورَةِ الطَّلَاقِ
. وَيُعَضِّدُهُمْ
خَبَرُ سُبَيْعَةَ بَنْتِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةِ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ بِمَكَّةَ وَتَرَكَهَا حَامِلًا فَوَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَقِيلَ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً.
فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّزَوُّجِ فَقَالَ لَهَا: «قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي إِنْ شِئْتِ» . رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ
وَقَبِلَهُ مُعْظَمُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ بَلَغَهُمْ. وَتَلَقَّاهُ الْفُقَهَاءُ بَعْدَهُمْ بِالْقَبُولِ وَيُشْهَدُ لَهُ بِالْمَعْنَى وَالْحِكْمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ فِي وَجْهِ الْعَمَلِ فِي تَعَارُضِ عُمُومَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامٌّ مِنْ وَجْهٍ مِثْلَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فَالْجُمْهُورُ دَرَجُوا عَلَى تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِمُرَجِّحٍ وَالْحَنَفِيَّةُ جَعَلُوا الْمُتَأَخر من العمومين نَاسِخًا لِلْمُتُقَدِّمِ. فَقَوْلُهُ: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيَعُمُّ كُلَّ حَامِلٍ مُعْتَدَّةٍ سَوَاءً كَانَتْ فِي عدَّة طَلَاق أَوْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ، وَقَوْلُهُ: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [الْبَقَرَة: ٢٣٤] تَعُمُّ كُلَّ امْرَأَةٍ تَرَكَهَا الْمَيِّتُ سَوَاءً كَانَتْ حَامِلًا أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ، لِأَنَّ أَزْواجاً نَكِرَةٌ وَقَعَتْ مَفْعُولَ الصِّلَةِ وَهِيَ يَذَرُونَ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى ضَمِيرِ الْمَوْصُولِ الَّذِي هُوَ عَامٌّ فَمَفْعُولُهُ تَبَعٌ لَهُ فِي عُمُومِهِ فَيَشْمَلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ الْحَوَامِلَ وَهُنَّ مِمَّنْ شَمَلَهُنَّ عُمُومُ أُولاتُ الْأَحْمالِ فَتَعَارُضُ الْعُمُومَانِ كُلٌّ مِنْ وَجْهٍ، فَآيَةُ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ اقْتَضَتْ أَنَّ الْحَوَامِلَ كُلَّهُنَّ تَنْتَهِي عِدَّتُهُنَّ بِالْوَضْعِ وَقَدْ يَكُونُ الْوَضْعُ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ، وَآيَةُ الْبَقَرَةِ يَقْتَضِي عُمُومُهَا أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ يَتَرَبَّصْنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَقَدْ يَتَأَخَّرُ هَذَا الْأَجَلُ عَنْ وَضْعِ الْحَمْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute