للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَرَفَةَ فَيَجْعَلُ حَجَّتَهُ عُمْرَةً وَيَحُجُّ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، وَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ

تَعَالَى إِلَى الْحَجِّ أَيْ إِلَى وَقْتِ الْحَجِّ الْقَابِلِ وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ إِلَى الْحَجِّ أَيْ إِلَى أَيَّامِ الْحَجِّ.

وَقَوْلُهُ: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ الْآيَةَ عُطِفَتْ عَلَى فَمَنْ تَمَتَّعَ، لِأَنَّ فَمَنْ تَمَتَّعَ مَعَ جَوَابِهِ وَهُوَ فَمَا اسْتَيْسَرَ مُقَدَّرٌ فِيهِ مَعْنَى فَمَنْ تَمَتَّعَ واجدا الْهَدْي فعطف عَلَيْهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ.

وَجَعَلَ اللَّهُ الصِّيَامَ بَدَلًا عَنِ الْهَدْيِ زِيَادَةً فِي الرُّخْصَةِ وَالرَّحْمَةِ وَلِذَلِكَ شَرَعَ الصَّوْمَ مُفَرَّقًا فَجَعَلَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً مِنْهَا فِي أَيَّامِ الْحَجِّ وَسَبْعَةً بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنَ الْحَجِّ.

فَقَوْلُهُ: فِي الْحَجِّ أَيْ فِي أَشْهُرِهِ إِن كَانَ قد أَمْكَنَهُ الِاعْتِمَارُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَجِّ، فَإِنْ لَمْ يُدْرِكِ الْحَجَّ وَاعْتَمَرَ فَتِلْكَ صِفَةٌ أُخْرَى لَا تَعَرُّضَ إِلَيْهَا فِي الْآيَةِ.

وَقَوْلُهُ: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ فَذْلَكَةُ الْحِسَابِ (١) أَيْ جَامِعَتُهُ فَالْحَاسِبُ إِذَا ذَكَرَ عَدَدَيْنِ فَصَاعِدًا قَالَ عِنْدَ إِرَادَةِ جَمْعِ الْأَعْدَادِ فَذَلِكَ أَيِ الْمَعْدُودُ كَذَا فَصِيغَتْ لِهَذَا الْقَوْلِ صِيغَةَ نَحْتٍ مِثْلَ بَسْمَلَ إِذَا قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَحَوْقَلَ إِذَا قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَحُرُوفُ فَذْلَكَةَ مُتَجَمِّعَةٌ مِنْ حُرُوفِ فَذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:

ثَلَاثٌ بِالْغَدَاةِ فَهُنَّ حَسْبِي ... وَسِتٌّ حِينَ يُدْرِكُنِي الْعِشَاءُ

فَذَلِكَ تِسْعَةٌ فِي الْيَوْمِ رَيِّي ... وَشُرْبُ الْمَرْءِ فَوْقَ الرَّيِّ دَاءُ

فَلَفْظُ فَذْلَكَةَ كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَمْ تُسْمَعْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ غَلَبَ إِطْلَاقُ اسْمِ الْفَذْلَكَةِ عَلَى خُلَاصَةِ جَمْعِ الْأَعْدَادِ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ الْمَحْكِيُّ جَرَى بِغَيْرِ كَلِمَةِ «ذَلِكَ» كَمَا نَقُولُ فِي قَوْلِهِ: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ إِنَّهَا فَذْلَكَةٌ مَعَ كَوْنِ الْوَاقِعِ فِي الْمَحْكِيِّ لَفْظُ «تِلْكَ» لَا لَفْظُ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقَ:

ثَلَاثٌ وَاثْنَتَانِ فَتِلْكَ خَمْسٌ ... وَسَادِسَةٌ تَمِيلُ إِلَى الشِّمَامِ

(أَيْ إِلَى الشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ) وَفِي وَجْهِ الْحَاجَةِ إِلَى الْفَذْلَكَةِ فِي الْآيَةِ وُجُوهٌ، فَقِيلَ هُوَ مُجَرَّدُ تَوْكِيدٍ كَمَا تَقُولُ كَتَبْتُ بِيَدِي يَعْنِي أَنَّهُ جَاءَ عَلَى طَرِيقَةِ مَا وَقَعَ فِي شِعْرِ الْأَعْشَى أَيْ أَنَّهُ جَاءَ عَلَى أُسْلُوبٍ عَرَبِيٍّ وَلَا يُفِيدُ إِلَّا تَقْرِيرَ الْحُكْمِ فِي الذِّهْنِ مَرَّتَيْنِ وَلِذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» لَمَّا ذَكَرَ مِثْلَهُ

كَقَوْلِ الْعَرَبِ عِلْمَانِ خَيْرٌ مِنْ عِلْمٍ. وَعَنِ الْمُبَرِّدِ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ بَقِيَ شَيْءٌ مِمَّا يَجِبُ صَوْمُهُ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ قَدْ يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ الْمُرَادَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ أَوْ سَبْعَةِ أَيَّامٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ بَدَلًا


(١) نصّ عَلَيْهِ فِي الْبَيْضَاوِيّ وحاشيته لمولانا عِصَام الدَّين.