للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَبْكاراً لِأَنَّ الثَّيِّبَاتِ لَا يُوصَفْنَ بِأَبْكَارٍ.

وَالْأَبْكَارُ لَا يُوصَفْنَ بِالثَّيِّبَاتِ. قُلْتُ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مُسْلِماتٍ، إِلَى قَوْلِهِ:

سائِحاتٍ مُحَسِّنُ الْكَلَامِ الْمُتَّزِنِ إِذْ يَلْتَئِمُ مِنْ ذَلِكَ بَيْتٌ مِنْ بَحْرِ الرَّمَلِ التَّامِّ:

فَاعِلَتُنْ فَاعِلَتُنْ فَاعِلَتُنْ ... فَاعِلَاتُنْ فَاعِلَاتُنْ فَاعِلَتُنْ

وَوَجْهُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي الزَّوْجَاتِ الْمُقَدَّرَاتِ لِأَنَّ كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ مَحَاسِنُهَا عِنْدَ الرِّجَالِ فَالثَّيِّبُ أَرْعَى لِوَاجِبَاتِ الزَّوْجِ وَأَمْيَلُ مَعَ أَهْوَائِهِ وَأَقْوَمُ عَلَى بَيْتِهِ وَأَحْسَنُ لِعَابًا وَأَبْهَى زِينَةً وَأَحْلَى غَنْجًا.

وَالْبِكْرُ أَشَدُّ حَيَاءً وَأَكْثَرَ غِرَارَةً وَدَلَّا وَفِي ذَلِكَ مَجْلَبَةٌ لِلنَّفْسِ، وَالْبِكْرُ لَا تَعْرِفُ رَجُلًا قَبْلَ زَوْجِهَا فَفِي نُفُوسِ الرِّجَالِ خَلْقٌ مِنَ التَّنَافُسِ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهَا غَيْرُهُمْ.

فَمَا اعْتَزَّتْ وَاحِدَةٌ مِنْ أَزوَاج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَزِيَّةٍ إِلَّا وَقَدْ أَنْبَأَهَا اللَّهُ بِأَنْ سَيُبْدِلَهُ خَيْرًا مِنْهَا فِي تِلْكَ الْمَزِيَّةِ أَيْضًا.

وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ مَعَانِيَ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّأْدِيبِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ.

وَتَقْدِيمُ وَصْفِ ثَيِّباتٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَزوَاج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجْهُنَّ كُنَّ ثَيِّبَاتٍ. وَلَعَلَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَلَامَ الْأَشَدَّ مُوَجَّهٌ إِلَى حَفْصَةَ قَبْلَ عَائِشَةَ وَكَانَتْ حَفْصَةُ مِمَّنْ تَزَوَّجَهُنَّ ثَيِّبَاتٍ وَعَائِشَةُ هِيَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بِكْرًا. وَهَذَا التَّعْرِيضُ أُسْلُوبٌ مِنْ أَسَالِيبِ التَّأْدِيبِ كَمَا قِيلَ:

«الْحُرُّ تَكْفِيهِ الْإِشَارَةُ» .

وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْعِشْرُونَ مِنْ مَغْزَى آدَابِ هَذِهِ الْآيَاتِ.

وَمِنْ غرائب الْمسَائِل الأديبة الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً زَعَمَهَا ابْنُ خَالَوِيهِ (١) وَاوًا لَهَا اسْتِعْمَالٌ خَاصٌّ وَلَقَّبَهَا بِوَاوِ الثَّمَانِيَةِ (بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَ النُّونِ) وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ ذَكَرُوا مِنْهُمُ الْحَرِيرِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ


(١) هُوَ الْحُسَيْن بن أَحْمد بن خالويه بن حمدَان الهمذاني، قَرَأَ بِبَغْدَاد ثمَّ سكن حلب واتصل بِسيف الدولة. وَتُوفِّي بحلب سنة سبعين وثلاثمائة. وَلم أَقف على تعْيين الْموضع الَّذِي استظهر فِيهِ معنى وَاو الثَّمَانِية.