وَقَالَ كَعْبٌ:
إِذَا يُسَاوِرُ قِرْنًا لَا يَحِلُّ لَهُ ... أَنْ يَتْرُكَ الْقِرْنَ إِلَّا وَهُوَ مَجْدُولُ
وَجِيءَ بِقَوْلِهِ: شَيْئاً لِأَنَّهُ مِنَ النَّكِرَاتِ الْمُتَوَغِّلَةِ فِي الْإِبْهَامِ، تَحْذِيرًا مِنْ أَخْذِ أَقَلِّ قَلِيلٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مَالًا أَوْ نَحْوَهُ، وَهَذَا الْمَوْقِعُ مِنْ مَحَاسِنِ مَوَاقِعِ كَلِمَةِ شَيْءٍ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الشَّيْخُ فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ [الْبَقَرَة: ١٥٥] .
وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يَخافا قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ يَاءِ الْغَيْبَةِ، فَالْفِعْلُ مُسْنَدٌ لِلْفَاعِلِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْمُتَخَالِعَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً وَكَذَلِكَ ضَمِيرُ يَخافا أَلَّا يُقِيما وَضَمِيرُ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما، وَأُسْنِدَ هَذَا الْفِعْلُ لَهُمَا دُونَ بَقِيَّةِ الْأُمَّةِ لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ يَعْلَمَانِ شَأْنَهُمَا. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ بِضَمِّ يَاءِ الْغَائِبِ وَالْفِعْلُ مَبْنِيٌّ لِلنَّائِبِ وَالضَّمِيرُ لِلْمُتَخَالِعَيْنِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ هُوَ ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِينَ وَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا أَنْ تَخَافُوهُمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ.
وَالْخَوْفُ تَوَقُّعُ حُصُولِ مَا تَكْرَهُهُ النَّفْسُ وَهُوَ ضِدُّ الْأَمْنِ. وَيُطْلَقُ عَلَى أَثَرِهِ وَهُوَ السَّعْيُ فِي مَرْضَاةِ الْمَخُوفِ مِنْهُ، وَامْتِثَالُ أَوَامِرِهِ كَقَوْلِهِ: فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمرَان: ١٧٥] وَتُرَادِفُهُ الْخَشْيَةُ، لِأَنَّ عَدَمَ إِقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ مِمَّا يَخَافُهُ الْمُؤْمِنُ، وَالْخَوْفُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، قَالَ تَعَالَى: فَلا تَخافُوهُمْ. وَقَالَ الشَّاعِرُ يَهْجُو رَجُلًا مِنْ فَقْعَسَ أَكَلَ كَلْبَهُ وَاسْمُهُ حَبْتَرٌ:
يَا حَبْتَرُ لِمَ أَكَلْتَهُ لِمَهْ ... لَوْ خَافَكَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَرَّمَهُ
وَخَرَّجَ ابْنُ جِنِّي فِي «شَرْحِ الْحَمَاسَةِ» ، عَلَيْهِ قَوْلَ الْأَحْوَصِ فِيهَا عَلَى أَحَدِ تَأْوِيلَيْنِ:
فَإِذَا تَزُولُ تَزُولُ عَلَى مُتَخَمِّطٍ ... تُخْشَى بَوَادِرُهُ عَلَى الْأَقْرَانِ
وَحُذِفَتْ عَلَى فِي الْآيَةِ لِدُخُولِهَا عَلَى أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْخَوْفَ هُنَا بِمَعْنَى الظَّنِّ، يُرِيدُ ظَنَّ الْمَكْرُوهِ إِذِ الْخَوْفُ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى حُصُولِ ظَنِّ الْمَكْرُوهِ وَهُوَ خَوْفٌ بِمَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ.
وَإِقَامَةُ حُدُودِ اللَّهِ فَسَّرَهَا مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهَا حُقُوقُ الزَّوْجِ وَطَاعَتُهُ وَالْبِرُّ بِهِ، فَإِذَا أضاعت الْمَرْأَة تِلْكَ فَقَدْ خَالَفَتْ حُدُودَ اللَّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute