وَلِهَذَا أَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَمْوَالَ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ فِي قَوْلِهِ: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً [النِّسَاء: ٥] وَلَمْ يَقُلْ أَمْوَالُهُمْ مَعَ أَنَّهَا أَمْوَالُ السُّفَهَاءِ، لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ [النِّسَاء: ٦] فَأَضَافَهَا إِلَيْهِمْ حِينَ صَارُوا رُشَدَاءَ.
وَمَا مَنَعَ السُّفَهَاءَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمْ إِلَّا خَشْيَةَ التَّبْذِيرِ. وَلِذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ السَّفِيهُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ تَصَرُّفَ السَّدَادِ وَالصَّلَاحِ لَمَضَى.
وَذَكَرَ الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ تَبْذِيراً بَعْدَ وَلا تُبَذِّرْ لِتَأْكِيدِ النَّهْيِ كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تُبَذِّرْ، لَا تُبَذِّرْ، مَعَ مَا فِي الْمَصْدَرِ مِنِ اسْتِحْضَارِ جِنْسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ اسْتِحْضَارًا لِمَا تُتَصَوَّرُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْمَفَاسِدِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ تَعْلِيل للْمُبَالَغَة فِي النَّهْي عَن التبذير.
والتعريف فِي الْمُبَذِّرِينَ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، أَيْ الَّذِينَ عَرَفُوا بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ كَالتَّعْرِيفِ فِي قَوْلِهِ: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [الْبَقَرَة: ٢] .
وَالْإِخْوَانُ جَمْعُ أَخٍ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْمُلَازِمِ غَيْرِ الْمُفَارِقِ لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الْأَخِ، كَقَوْلِهِمْ: أَخُو الْعِلْمِ، أَيْ مَلَازِمُهُ وَالْمُتَّصِفُ بِهِ، وَأَخُو السَّفَرِ لِمَنْ يُكْثِرُ الْأَسْفَارَ. وَقَوْلِ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
وَأَخُو الْحَضَرِ إِذْ بَنَاهُ وَإِذْ دِجْ ... لَةُ تَجْبِي إِلَيْهِ وَالْخَابُورُ
يُرِيدُ صَاحِبَ قَصْرِ الْحَضَرِ، وَهُوَ مَلِكُ بَلَدِ الْحَضَرِ الْمُسَمَّى الضَّيْزَنَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الْقُضَاعِيَّ الْمُلَقَّبَ السيَّطْرُونَ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الشَّيَاطِينِ وَحُلَفَائِهِمْ كَمَا يُتَابِعُ الْأَخُ أَخَاهُ.
وَقَدْ زِيدَ تَأْكِيدُ ذَلِكَ بِلَفْظِ كانُوا الْمُفِيدِ أَنَّ تِلْكَ الْأُخُوَّةَ صِفَةٌ رَاسِخَةٌ فِيهِمْ، وَكَفَى بِحَقِيقَةِ الشَّيْطَانِ كَرَاهَةً فِي النُّفُوسِ وَاسْتِقْبَاحًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute