الْمُتَّفِقُ، وَأَكْثَرُهَا مُخْتَلِفٌ، وَأَكْثَرُ اتِّفَاقِ أَهْوَائِهِمْ حَاصِلٌ بِالشِّرْكِ، فَلَوْ كَانَ الْحَقُّ الثَّابِتُ فِي الْوَاقِعِ مُوَافِقًا لِمَزَاعِمِهِمْ لَاخْتَلَّتْ أُصُولُ انْتِظَامِ الْعَوَالِمِ.
فَإِنَّ مَبْدَأَ الْحَقَائِقِ هُوَ حَقِيقَةُ الْخَالِقِ تَعَالَى، فَلَوْ كَانَتِ الْحَقِيقَةُ هِيَ تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ لَفَسَدَتِ الْعَوَالِمُ بِحُكْمِ قَوْلِهِ تَعَالَى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الْأَنْبِيَاء: ٢٢] وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ. وَذَلِكَ أَصْلُ الْحَقِّ وَقِوَامُهُ وَانْتِقَاضُهُ انْتِقَاض لنظام السَّمَوَات وَالْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ [الْمُؤْمِنُونَ: ٩١] الْآيَةَ، فَمِنْ هَوَاهُمُ الْبَاطِلِ أَنْ جَعَلُوا مِنْ كَمَالِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ.
ثُمَّ نَنْتَقِلُ بِالْبَحْثِ إِلَى بَقِيَّةِ حَقَائِقِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَقِّ لَوْ فُرِضَ أَنْ يَكُونَ الثَّابِتُ نَقِيضَ ذَلِكَ لَتَسَرَّبَ الْفساد إِلَى السَّمَوَات وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ. فَلَوْ فُرِضَ عَدَمُ الْبَعْثِ لِلْجَزَاءِ لَكَانَ الثَّابِتُ أَنْ لَا جَزَاءَ عَلَى الْعَمَلِ فَلَمْ يَعْمَلْ أَحَدٌ خَيْرًا إِذْ لَا رَجَاءَ فِي ثَوَابٍ. وَلَمْ يَتْرُكْ أحد شرا إِلَّا إِذْ لَا خَوْفَ مِنْ عِقَابٍ فَيَغْمُرُ الشَّرُّ الْخَيْرَ وَالْبَاطِلُ الْحَقَّ وَذَلِكَ فَسَادٌ لمن فِي السَّمَوَات وَالْأَرْضِ قَالَ تَعَالَى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لَا تُرْجَعُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ١١٥] .
وَكَذَا لَوْ كَانَ الْحَقُّ حُسْنَ الِاعْتِدَاءِ وَالْبَاطِلُ قُبْحَ الْعَدْلِ لَارْتَمَى النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْإِهْلَاكِ جُهْدَ الْمُسْتَطَاعِ فَهَلَكَ الضَّرْعُ وَالزَّرْعُ قَالَ تَعَالَى: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ [الْبَقَرَة: ٢٠٥] ، وَهَكَذَا الْحَالُ فِي أَهْوَائِهِمُ الْمُخْتَلِفَةِ. وَيَزِيدُ أَمْرُهَا فَسَادًا بِأَنْ يَتَّبِعَ الْحَقُّ كُلَّ سَاعَةٍ هَوًى مُخَالِفًا لِلْهَوَى الَّذِي اتَّبَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَسْتَقِرُّ نِظَامٌ وَلَا قَانُونٌ.
وَهَذَا الْمَعْنَى نَاظِرٌ إِلَى مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ مَا خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الدُّخان: ٣٨، ٣٩] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute