للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجَعَلَ لَهَا طَلْعًا، أَيْ ثَمَرًا، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الطَّلْعِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ تَشْبِيهًا لَهُ بِطَلْعِ النَّخْلَةِ لِأَنَّ اسْمَ الطَّلْعِ خَاصٌّ بِالنَّخِيلِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عَنِ السُّدِّيِّ وَمُجَاهِدٍ قَالَ الْكُفَّارُ: كَيْفَ يُخْبِرُ مُحَمَّدٌ عَنِ النَّارِ أَنَّهَا تُنْبِتُ الْأَشْجَارَ، وَهِيَ تَأْكُلُهَا وَتُذْهِبُهَا، فَقَوْلُهُمْ هَذَا وَنَحْوُهُ مِنَ الْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ يَزِيدُهُمْ كفرا وتكذيبا.

ورُؤُسُ الشَّياطِينِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مرَادا بهَا رُؤُوس شَيَاطِينِ الْجِنِّ جَمْعِ شَيْطَانٍ بِالْمَعْنَى الْمَشْهُور ورؤوس هَذِهِ الشَّيَاطِينِ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ لَهُمْ، فَالتَّشْبِيهُ بِهَا حَوَالَةٌ عَلَى مَا تُصَوِّرُ لَهُمُ الْمُخَيِّلَةُ، وَطَلْعُ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَوُصِفَ لِلنَّاسِ فَظِيعًا بَشِعًا، وَشُبِّهَتْ بشاعته ببشاعة رُؤُوس الشَّيَاطِينِ، وَهَذَا التَّشْبِيهُ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَعْقُولِ بِالْمَعْقُولِ كَتَشْبِيهِ الْإِيمَانِ بِالْحَيَاةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِتُنْذَرَ مَنْ كانَ حَيًّا [يس: ٧٠] وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُنَا تَقْرِيبُ حَالِ الْمُشَبَّهِ فَلَا يَمْتَنِعُ كَوْنُ الْمُشَبَّهِ بِهِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ وَلَا كَوْنُ الْمُشَبَّهِ كَذَلِكَ.

وَنَظِيرُهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ وَقيل: أُرِيد برؤوس الشَّيَاطِينِ ثَمَرُ الْأَسْتَنِ، وَالْأَسْتَنُ (بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ السِّينِ وَفتح التَّاء) شَجَرَة فِي بَادِيَةِ الْيَمَنِ يُشْبِهُ شُخُوصَ النَّاسِ وَيُسمى ثمره رُؤُوس الشَّيَاطِينِ، وَإِنَّمَا سَمَّوْهُ كَذَلِكَ لِبَشَاعَةِ مَرْآهِ ثُمَّ صَارَ مَعْرُوفًا، فَشُبِّهَ بِهِ فِي الْآيَةِ. وَقِيلَ: الشَّياطِينِ:

جَمْعُ شَيْطَانٍ وَهُوَ مِنَ الْحَيَّات مَا لرؤوسه أَعْرَافٌ، قَالَ الرَّاجِزُ يُشَبِّهُ امْرَأَتَهُ بِحَيَّةٍ مِنْهَا:

عَنْجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ أَحْلِفُ ... كَمَثَلِ شَيْطَانِ الْحَمَاطِ أَعْرَفُ

الْحَمَاطُ: جَمْعُ حَمَاطَةَ بِفَتْحِ الْحَاءِ: شَجَرٌ تَكْثُرُ فِيهِ الْحَيَّاتُ، وَالْعَنْجَرِدُ بِكَسْرِ الرَّاءِ:

الْمَرْأَةُ السَّلِيطَةُ.

وَهَذِهِ الصِّفَاتُ الَّتِي وُصِفَتْ بِهَا شَجَرَةُ الزَّقُّومِ بَالِغَةٌ حَدًّا عَظِيمًا مِنَ الذَّمِّ وَذَلِكَ الذَّمُّ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَلْعُونَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [٦٠] ، وَكَذَلِكَ فِي آيَةِ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ تغلي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ