للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [الْبَقَرَة: ١٩٧] ، وَوَرَدَ مُضَافًا فِي قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمرَان: ٩٧] لِأَنَّهُ مَقَامُ ابْتِدَاءِ تَشْرِيعٍ فَهُوَ مَقَامُ بَيَانٍ وَإِطْنَابٍ. وَفِعْلُ حَجَّ بِمَعْنَى قَصَدَ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنِ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْقَصْدِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَلِذَلِكَ كَانَ ذِكْرُ الْمَفْعُولِ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ. وَأَمَّا صِحَّةُ قَوْلِكَ حَجَّ فُلَانٌ

وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا»

بِدُونِ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ فَذَلِكَ حَذْفٌ لِلتَّعْوِيلِ عَلَى الْقَرِينَةِ فَغَلَبَةُ إِطْلَاقِ الْفِعْلِ عَلَى قَصْدِ الْبَيْتِ أَقَلُّ مِنْ غَلَبَةِ إِطْلَاقِ اسْمِ الْحَجِّ عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ.

وَالْعُمْرَةُ اسْمٌ لِزِيَارَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْحَجِّ أَوْ فِي وَقْتِهِ بِدُونِ حُضُورِ عَرَفَةَ فَالْعُمْرَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَجِّ مِثْلُ صَلَاةِ الْفَذِّ بِالنِّسْبَةِ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَهِيَ بِصِيغَةِ الِاسْمِ عَلَمُ الْغَلَبَةِ عَلَى زِيَارَةِ الْكَعْبَةِ، وَفِعْلُهَا غَلَبَ عَلَى تِلْكَ الزِّيَارَةِ تَبَعًا لِغَلَبَةِ الِاسْمِ فَسَاوَاهُ فِيهَا وَلِذَلِكَ لَمْ يُذْكَرِ الْمَفْعُولُ هُنَا وَلَمْ يُسْمَعْ، وَالْغَلَبَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا تَمْنَعُ مِنَ الْإِطْلَاقِ الْآخَرِ نَادِرًا.

وَنَفْيُ الْجُنَاحِ عَنِ الَّذِي يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَيُصَدِّقُ بِالْمُبَاحِ وَالْمَنْدُوبِ، وَالْوَاجِبِ وَالرُّكْنِ، لِأَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ يُصَدِّقُ بِجَمِيعِ الْمَذْكُورَاتِ فَيَحْتَاجُ فِي إِثْبَاتِ حُكْمِهِ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَلِذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ لِعُرْوَةَ «لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَقَالَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا» ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ» إِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ إِبَاحَةٌ لِلْفِعْلِ وَقَوْلُهُ لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَفْعَلَ إِبَاحَةٌ لِتَرْكِ الْفِعْلِ فَلَمْ يَأْتِ هَذَا اللَّفْظُ لِإِبَاحَةِ تَرْكِ الطَّوَافِ وَلَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا جَاءَ لِإِفَادَةِ إِبَاحَةِ

الطَّوَافِ لِمَنْ كَانَ تَحَرَّجَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّة أَو لمن كَانَ يَطُوفُ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَصْدًا لِلْأَصْنَامِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ اه.

وَمُرَادُهُ أَنَّ لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ نَصٌّ فِي نَفْيِ الْإِثْمِ عَنِ الْفَاعِلِ وَهُوَ صَادِقٌ بِالْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْوُجُوبِ فَهُوَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا مُجْمَلٌ، بِخِلَافِ لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَفْعَلَ فَهُوَ نَصٌّ فِي نَفْيِ الْإِثْمِ التَّالِي وَهُوَ صَادِقٌ بِحُرْمَةِ الْفِعْلِ وَكَرَاهِيَتِهِ فَهُوَ فِي أَحَدِهِمَا مُجْمَلٌ، نَعَمْ إِنَّ التَّصَدِّيَ لِلْإِخْبَارِ بِنَفْيِ الْإِثْمِ عَنْ فَاعِلِ شَيْءٍ يَبْدُو مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ مَظِنَّةٌ لِأَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا هَذَا عُرْفُ اسْتِعْمَالِ الْكَلَامِ فَقَوْلُكَ لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ فِي فِعْلِ كَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِبَاحَةِ بِمَعْنَى اسْتِوَاءِ الْوَجْهَيْنِ دُونَ النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ إِذْ لَا يَعْمِدُ أَحَدٌ إِلَى وَاجِبٍ أَوْ فَرْضٍ أَوْ مَنْدُوبٍ