أَنْ لَا تَكُونَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ أَوْ قَبِيلَةٌ أَوْ أَهَلُ بَلْدَةٍ أَغْنِيَاءَ لَيْسَ فِيهِمْ مَحَاوِيجُ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى انخرام نِظَامِ الِاجْتِمَاعِ وَارْتِفَاعِ احْتِيَاجِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَيَهْلِكُ مُجْتَمَعُهُمْ، وَاللَّهُ أَرَادَ بَقَاءَهُمْ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ.
وَيُرَجِّحُ هَذَا جَعْلُ مُتَعَلِّقِ فِعْلِ يَكْفُرُ خُصُوص وصف الرحمان فَإِنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ أَنْكَرُوا وصف الرحمان قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ [الْفرْقَان: ٦٠] وَقَدْ تَكَرَّرَ التَّوَرُّكُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ فِي آيٍ كَثِيرَةٍ.
وَمَعْنَى لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ لَقَدَّرْنَا فِي نِظَامِ الْمُجْتَمَعِ الْبَشَرِيِّ أَسْبَابَ الثَّرَاءِ مُتَّصِلَةً بِالْكُفْرِ بِاللَّهِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْكُفْرُ سَبَبًا وَمَجْلَبَةً لِلْغِنَى، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهَيَّأَ لَهُ أَسْبَابَهُ فِي عُقُولِ النَّاسِ وَأَسَالِيبِ مُعَامَلَاتِهِمُ الْمَالِيَّةِ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ مَنَعَ أَسْبَابَ تَعْمِيمِ الْكُفْرِ فِي الْأَرْضِ لُطْفًا مِنْهُ بِالْإِيمَانِ وَأَهْلِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْنَعْ وُقُوعَ كُفْرٍ جُزْئِيٍّ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ حِفْظًا مِنْهُ تَعَالَى لِنَامُوسِ تَرْتِيبِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا. وَهَذَا مِنْ تَفَارِيعِ التَّفْرِقَة بَين الرضى وَالْإِرَادَةِ فَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِبُيُوتِهِمْ مِثْلُ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ، أَيْ لَجَعَلْنَا لِبُيُوتِ من يكفر بالرحمان فَيَكُونُ قَوْلُهُ لِبُيُوتِهِمْ بَدَلَ اشْتِمَالٍ ممّن يكفر بالرحمان. وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِتَكْرِيرِ الْعَامِلِ لِلتَّوْكِيدِ كَمَا فَعَلُوا فِي الْبَدَلِ مِنَ الْمُسْتَفْهِمِ عَنْهُ فِي نَحْوِ: مَنْ ذَا أَسَعِيدٌ أَمْ عَلِيٌّ؟ فَقَرَنُوا الْبَدَلَ بِأَدَاةِ اسْتِفْهَامٍ وَلَمْ يَقُولُوا: مَنْ ذَا سَعِيدٌ أَمْ عَلِيٌّ؟ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٩٩] .
وَنُكْتَةُ هَذَا الْإِبْدَالِ تَعْلِيقُ الْمَجْرُورِ ابْتِدَاءً بِفِعْلِ الْجَعْلِ ثُمَّ الِاهْتِمَامُ بِذِكْرِ من يكفر بالرحمان فِي هَذَا الْمَقَامِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ قَرْنُهُ مَعَ مَظَاهِرِ الْغِنَى فِي قَرْنِ التَّحْقِيرِ، ثُمَّ يَذْكُرُ مَا
يَعِزُّ وُجُودُ أَمْثَالِهِ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، وَإِذْ قَدْ كَانَ الْخَبَرُ كُلُّهُ مُسْتَغْرَبًا كَانَ حَقِيقًا بِأَنْ يُنْظَمَ فِي أُسْلُوبِ الْإِجْمَالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سُقُفاً بِضَمِّ السِّينِ وَضَمِّ الْقَافِ جَمْعُ سَقْفٍ بِفَتْحِ السِّينِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute