وَالطَّبَرِيُّ: تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ تَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، إِذَا لَمْ يَتْرُكْهَا مُسْتَخِفًّا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَنَافِعٌ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَدَاوُدُ: لَا تُؤَكَلُ إِذَا لَمْ يُسَمَّ عَلَيْهَا عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا، أَخْذًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ، دُونَ تَأَمُّلٍ فِي الْمَقْصِدِ وَالسِّيَاقِ.
وَأَرْجَحُ الْأَقْوَالِ: هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ مَالِكٍ، إِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ التَّسْمِيَةِ تُؤْكَلُ، وَأَنَّ الْآيَةَ لَمْ يُقْصَدْ مِنْهَا إِلَّا تَحْرِيمُ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ بِالْقَرَائِنِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي
ذَكَرْنَاهَا آنِفًا، وَقَدْ يَكُونُ تَارِكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا آثِمًا، إِلَّا أَنَّ إِثْمَهُ لَا يُبْطِلُ ذَكَاتَهُ، كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ عِنْدَ غَيْرِ أَحْمَدَ.
وَجُمْلَةُ: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلا تَأْكُلُوا عَطْفَ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ، عَلَى رَأْيِ الْمُحَقِّقِينَ فِي جَوَازِهِ، وَهُوَ الْحَقُّ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ، وَقَدْ أَجَازَ عَطْفَ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ بِالْوَاوِ بَعْضُ مَنْ مَنَعَهُ بِغَيْرِ الْوَاوِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ، وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ كَمَا فِي «مُغَنِي اللَّبِيبِ» . وَقَدْ جَعَلَهَا الرَّازِيُّ وَجَمَاعَةٌ: حَالًا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ عَطْفِ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ.
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ يَعُودُ عَلَى مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ لَفِسْقٌ مُبَالَغَةٌ فِي وَصْفِ الْفِعْلِ، وَهُوَ ذِكْرُ اسْمِ غَيْرِ اللَّهِ، بِالْفِسْقِ حَتَّى تَجَاوَزَ الْفِسْقُ صِفَةَ الْفِعْلِ أَنْ صَارَ صِفَةَ الْمَفْعُولِ فَهُوَ مِنَ الْمَصْدَرِ الْمُرَادِ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ:
كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، وَهَذَا نَظِيرُ جَعْلِهِ فِسْقًا فِي قَوْلِهِ بَعْدُ: أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الْأَنْعَام: ١٤٥] . وَالتَّأْكِيدُ بِإِنَّ: لِزِيَادَةِ التَّقْرِيرِ، وَجَعَلَ فِي «الْكَشَّافِ» الضَّمِيرَ عَائِدًا إِلَى الْأَكْلِ الْمَأْخُوذِ مِنْ وَلا تَأْكُلُوا، أَيْ وَإِنَّ أَكْلَهُ لَفِسْقٌ.
وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ عَطْفٌ عَلَى: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ، أَيْ: وَاحْذَرُوا جَدَلَ أَوْلِيَاءِ الشَّيَاطِينِ فِي ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute