وَالْمُخَاطَبُ بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ بِتَقْدِيرِ قَوْلٍ.
وَكَلِمَةُ لَعَمْرُكَ صِيغَةُ قَسَمٍ. وَاللَّامُ الدَّاخِلَةُ عَلَى لَفْظِ (عَمْرٍ) لَامُ الْقَسَمِ.
وَالْعَمْرُ- بِفَتْحِ الْعين وَسُكُون اللَّام- أَصْلُهُ لُغَةٌ فِي الْعُمْرِ بِضَمِّ الْعَيْنِ، فَخُصَّ الْمَفْتُوحُ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ لِخِفَّتِهِ بِالْفَتْحِ لِأَنَّ الْقَسَمَ كَثِيرُ الدَّوَرَانِ فِي الْكَلَامِ. فَهُوَ قَسَمٌ بِحَيَاةِ الْمُخَاطَبِ بِهِ. وَهُوَ فِي الِاسْتِعْمَالِ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَامُ الْقَسَمِ رَفَعُوهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ وُجُوبًا. وَالتَّقْدِيرُ: لَعَمْرُكَ قَسَمِي.
وَهُوَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُحْذَفُ فِيهَا الْخَبَرُ حَذْفًا لَازِمًا فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ اللَّامِ عَلَى مَعْنَى الْقَسَمِ. وَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَهُ بِغَيْرِ اللَّامِ فَحِينَئِذٍ يُقْرِنُونَهُ بِاسْمِ الْجَلَالَةِ وَيَنْصِبُونَهُمَا، كَقَوْلِ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
عَمْرَكَ اللَّهَ كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ فَنُصِبَ عَمْرَ بِنَزْعِ الْخَافِض وَهُوَ يَاء الْقَسَمِ وَنُصِبَ اسْمُ الْجَلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ، أَيْ بِتَعْمِيرِكَ اللَّهَ بِمَعْنَى بِتَعْظِيمِكَ اللَّهَ، أَيْ قَوْلِكِ لِلَّهِ لَعَمْرِكَ تَعْظِيمًا لِلَّهِ لِأَنَّ الْقَسَمَ
بِاسْمِ أَحَدٍ تَعْظِيمٌ لَهُ، فَاسْتُعْمِلَ لَفْظُ الْقَسَمِ كِنَايَةً عَنِ التَّعْظِيمِ، كَمَا اسْتُعْمِلَ لَفْظُ التَّحِيَّةِ كِنَايَةً عَنِ التَّعْظِيمِ فِي كَلِمَاتِ التَّشَهُّدِ «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» أَيْ أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِتَعْظِيمِكَ رَبَّكَ. هَذَا مَا يَظْهَرُ لِي فِي تَوْجِيهِ النَّصْبِ، وَقَدْ خَالَفْتُ فِيهِ أَقْوَالَ أَهْلِ اللُّغَةِ بَعْضَ مُخَالَفَةٍ لِأَدْفَعَ مَا عَرَضَ لَهُمْ مِنْ إِشْكَالٍ.
وَالسَّكْرَةُ: ذَهَابُ الْعَقْلِ. مُشْتَقَّةٌ مِنَ السَّكْرِ- بِفَتْحِ السِّينِ- وَهُوَ السَّدُّ وَالْغَلْقُ.
وَأُطْلِقَتْ هُنَا عَلَى الضَّلَالِ تَشْبِيهًا لِغَلَبَةِ دَوَاعِي الْهَوَى عَلَى دَوَاعِي الرَّشَادِ بِذَهَابِ الْعَقْلِ وَغَشْيَتِهِ.
ويَعْمَهُونَ يَتَحَيَّرُونَ وَلَا يَهْتَدُونَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute