للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ بَيَانًا لِلْكُفَّارِ، أَيِ الْكُفَّارُ الَّذِينَ هَلَكُوا وَرَأَوْا أَنْ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي خَيْرِ الْآخِرَةِ فَشُبِّهَ إِعْرَاضُ الْيَهُودِ عَنِ الْآخِرَةِ بِيَأْسِ الْكُفَّارِ مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ تَحَقُّقُ عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِالْآخِرَةِ. وَالْمَعْنَى كَيَأْسِ الْكُفَّارِ الْأَمْوَاتِ، أَيْ يَأْسًا مِنَ الْآخِرَةِ.

وَالْمُشَبَّهُ بِهِ مَعْلُومٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِالِاعْتِقَادِ فَالْكَلَامُ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَحْسُوسِ بِالْمَعْقُولِ.

وَفِي اسْتِعَارَةِ الْيَأْسِ لِلْإِعْرَاضِ ضَرْبٌ مِنَ الْمُشَاكَلَةِ أَيْضًا.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَأْسُهُمْ مِنَ الْآخِرَةِ أُطْلِقَ عَلَى حِرْمَانِهِمْ مِنْ نَعِيمِ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ.

فَالْمَعْنَى: قَدْ أَيْأَسْنَاهُمْ مِنَ الْآخِرَةِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ [٢٣] .

وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ حَمَلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى مَعْنَى التَّأْكِيدِ لِمَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ [الممتحنة: ١] فَالْقَوْمُ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هُمُ الْمُشْرِكُونَ فَإِنَّهُمْ وُصِفُوا بِالْعَدُوِّ لِلَّهِ وَالْعَدُوُّ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ وَنُسِبَ هَذَا إِلَى ابْنِ عَبَّاس. وَجعل بأسهم مِنَ الْآخِرَةِ هُوَ إِنْكَارَهُمُ الْبَعْثَ.

وَجَعْلُ تَشْبِيهِ يَأْسِهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ بِيَأْسِ الْكُفَّارِ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ أَنَّ يَأْسَ الْكُفَّارِ الْأَحْيَاءِ كَيَأْسِ الْأَمْوَاتِ مِنَ الْكُفَّارِ، أَيْ كَيَأْسِ أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ هُمْ فِي الْقُبُورِ إِذْ كَانُوا فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِمْ آيِسِينَ مِنَ الْآخِرَةِ فَتَكُونُ مِنَ بَيَانِيَّةً صِفَةً لِلْكُفَّارِ، وَلَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلِ يَئِسَ فَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْكُفَّارُ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يُشَبَّهَ الشَّيْءُ بِنَفْسِهِ كَمَا قَدْ تُوُهِّمَ.