وَالْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ سَاعَةُ الْبَعْثِ وَذَلِكَ الَّذِي افْتُتِحَتْ بِهِ السُّورَةُ. وَذَلِكَ انْتِقَالٌ مِنْ تَهْدِيدِهِمْ وَوَعِيدِهِمْ بِعَذَابِ الدُّنْيَا إِلَى تَهْدِيدِهِمْ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ. وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ [٣] .
وَتَفْرِيعُ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْكِنَائِيِّ لَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ مَوْكُولٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ أَذَاهُمْ وَسُوءِ تَلَقِّيهِمْ لِلدَّعْوَةِ.
والصَّفْحَ: الْعَفْوُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [١٣] . وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا فِي لَازِمِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْحُزْنِ وَالْغَضَبِ مِنْ صَنِيعِ أَعْدَاءِ الدِّينِ وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ الصَّفْحِ لِظُهُورِهِ، أَيْ عَمَّنْ كَذَّبَكَ وَآذَاكَ.
والْجَمِيلَ: الْحَسَنُ. وَالْمُرَادُ الصَّفْحُ الْكَامِلُ.
ثُمَّ إِنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ضَرْبًا مِنْ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ، إِذْ كَانَ قَدْ وَقَعَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً [سُورَة الْحجر: ١٤- ١٦] الْآيَاتِ. وَخُتِمَتْ بِآيَةِ: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ [سُورَة الْحجر: ٢٣- ٢٥] .
وانتقل هُنَا لَك إِلَى التَّذْكِيرِ بِخَلْقِ آدَمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَمَا فِيهِ مِنَ الْعِبَرِ. ثُمَّ إِلَى سَوْقِ قَصَصِ الْأُمَمِ الَّتِي عَقِبَتْ عُصُورَ الْخِلْقَةِ الْأُولَى فَآنَ الْأَوَانُ لِلْعَوْدِ إِلَى حَيْثُ افْتَرَقَ طَرِيقُ النَّظْمِ حَيْثُ ذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَدَلَالَتَهُ عَلَى الْبَعْثِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ الْآيَاتِ، فَجَاءَتْ عَلَى وِزَانِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً [سُورَة الْحجر: ١٦] الْآيَاتِ. فَإِنَّ ذَلِكَ خَلْقٌ بَدِيعٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute