لقد ذكر الله عز وجل عاداً فقال:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ}[الفجر:٦ - ٨]، فقوله تعالى:{إِرَمَ}[الفجر:٧] هو جدهم، فعاد إرم هم أحفاد إرم، فالقبيلة أبوهم عاد وأبو عاد إرم وأبوه سام وأبوه نوح، فهو عاد بن إرم بن سام بن نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فهؤلاء القوم يذكرهم نبيهم على نبينا وعليه الصلاة والسلام وهو أخوهم هود، وليس شرطاً أن يكون له أخوات من هؤلاء، ولكنه ابن من أبناء القبيلة يشترك مع هذه القبيلة في جدهم الذي هو سام بن نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
فيخبر ربنا سبحانه هنا أن هوداً قال لقومه:{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ}[الشعراء:١٢٨]، الريع: هو المنطقة المرتفعة أو الطريق الممتد، فهؤلاء كأنهم لفراغ أوقاتهم يلعبون ويبنون آية، والآية: هي البرج العالي الذي يكون للملك، فيطلع منه على الناس، أو أبراج يربي فيها الحمام ويلعب به، أو أبراج لمراقبة الناس حتى إذا مروا من عندها أخذوا من المارين خراجاً أو مالاً، فقال لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام:{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ}[الشعراء:١٢٨] الريع: هو المكان المرتفع من الأرض هذا قول، أو الطريق الواسع وهذا قول آخر، أو أنه الفج الذي بين الجبلين، أو الثنية، يعني: المرتفع الصغير من الأرض، أو المنظرة.
وذكر الله سبحانه تعالى أن هؤلاء القوم كانوا جبارين، وكانوا يبطشون بطشاً شديداً بلا رحمة، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ}[الفجر:٦] أي: الرؤية البصرية، والرؤية هنا: هي الاطلاع عن طريق ما أخبر الله عز وجل في كتابه، يعني: ألم تعلم مستيقناً كأنك ترى ذلك، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}[الفجر:٦] إشارة إلى قوتهم والتعجب مما فُعِلَ بهم، وقوله تعالى:{إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}[الفجر:٧] أي: أولاد إرم ذات العماد، فقد كانت بيوتهم عالية جداً، ولها أعمدة عالية؛ لأن أجسامهم كانت عظيمة، وكانوا طوالاً وعراضاً، فاغتروا بقوتهم وأجسامهم حتى إنهم كانوا يبطشون بغيرهم من الخلق بتجبر وعتو، فالواحد منهم يضرب ويقتل غيره من غير سبب ومن غير ذنب، فيقول لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام:{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ}[الشعراء:١٢٨] يعني: ليس لكم حاجة في بنائها، إنما هي زيادة في اللعب والعبث في ذلك، فإذا مر قوم من غير البلاد يضربونهم ويقتلونهم، ويأخذون أموالهم ويخيفون من حولهم.