يذكر الله عز وجل لنا في هذه الآيات وما قبلها أنه قد أرسل موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بالآيات إلى فرعون وملئه، قال الله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ}[الزخرف:٤٦]، وذكر في آية غيرها {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}[هود:٩٦ - ٩٧] فأرسله الله عز وجل إليهم ليدعوهم إلى عبادة الله عز وجل وحده وأن يتركوا ما هم فيه، وقد طلب موسى من ربه سبحانه أن يجعل معه أخاه هارون وزيراً ليعينه على ذلك، وكان موسى في لسانه لكنة من إصابة أصابته وهو صغير في بيت فرعون لما أراد أن يقتله ودافعت عنه امرأة فرعون وقالت له إنه صغير لا يفهم ولا يعقل، فقرب إليه جمرة من نار فلمسها بلسانه لأمر يريده الله سبحانه فأصابته لكنة من ذلك الوقت، ولذلك كان فرعون يعيره بأنه لا يكاد يبين، أي: ما يستطيع أن يتكلم وهذا كان قبل أن يوحى إليه بالرسالة، فلما جعله الله عز وجل نبياً قال تعالى:{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى}[طه:٤٣] فدعا ربه، فاستجاب له ربه سبحانه تبارك وتعالى فيما سأله، {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}[يونس:٨٩] أي: دعوة موسى وهارون، فدعا موسى ربه سبحانه {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى}[طه:٢٥ - ٣٦].
فكل ما سأل موسى ربه قد أجابه الله، فكشف عنه ما كان فيه من كرب بسبب خوفه من فرعون ومن معه وبسبب اللكنة أو الثقل الذي كان في لسانه فالله رفع عنه هذا فصار قوياً بإيمانه بعصمة الله عز وجل له وأيضاً جعل له أخاه معه وزيراً يعينه على دعوته إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، وأرسله ربه بتسع آيات بينات إلى فرعون وملئه.