ومن صفات المؤمنين قوله تعالى:{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[الشورى:٣٨] أي: إن من صفاتهم الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى، وسواء قلت النفقة أو كثرت فهي بحسب ما يعطي الله سبحانه وتعالى الإنسان، قال تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق:٧] وقال: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}[الطلاق:٧]، فالإنسان الغني ينفق من هذا الغنى ومن هذه السعة، قال تعالى:{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ}[الطلاق:٧] أي: ضيق عليه رزقه: {فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}[الطلاق:٧] أي: مما أعطاه الله من مال قليل.
وهناك نفقات واجبة على الإنسان كأن ينفق نفسه، أو على زوجته، أو على أولاده، أو على أبيه وأمه الذين يحتاجون إلى ذلك، فهذه نفقات أمر الله عز وجل بها، فهي نفقة وهي صدقة تؤجر عليها، وهناك نفقة إذا كنت غنياً وتملك نصاباً فتخرج زكاة مالك التي أمرك الله عز وجل بها وقال:{وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة:٤٣]، فتنفق على الفقراء والمساكين، وعلى من يحتاجون، فالإنسان ينفق مما آتاه الله، قال تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦] والله طيب لا يقبل إلا طيباً، وقد أمرك بالإنفاق من الطيب فقال:{مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}[البقرة:٢٦٧] وقال: {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}[البقرة:٥٧]، وقال:{وَلا تَيَمَّمُوا}[البقرة:٢٦٧] أي: لا تتوجهوا إلى {الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}[البقرة:٢٦٧] فلا تنفق الشيء الرديء فتقول: هذا لله، ولكن أخرج لله ما يرضى ربك عنك بإنفاقك إياه، وانظر إلى ابني آدم لما أراد كل منهما أن يعرف منزلته وأيهما أفضل؟ فقيل لهما: قربا قرباناً، فهذا تقرب إلى الله بأجود ما يجد من بهيمة الأنعام التي عنده، وذاك نظر إلى حقله وبستانه وقال: الله غني عن هذا، فنقى أردأ شيء مما عنده وقال: هذه لله، فإذا بالله يقبل ما كان طيباً وصالحاً، فقبل من هذا ولم يقبل من هذا؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
فلا تيمموا إلى الخبيث تنفقون منه وإذا أعطاكم أحد هذا الخبيث فمستحيل أن تقبلوه، قال تعالى:{وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ}[البقرة:٢٦٧] أي: إذا أعطاكم أحد هذا الخبيث فلن تأخذوه إلا إذا خدعكم إنسان فأعطاكموه.
فالذي ينبغي في النفقة هو أن تنفق ما تحب أن تأخذه، أو ما تحب أن يرزقك الله عز وجل مثله وأمثاله.
إذاًً: من صفات المؤمنين الإنفاق في سبيل الله، قال الله عز وجل:{يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً}[البقرة:٢٧٤]، أي: أنهم لا ينفقون في النهار فقط لأجل الرياء، بل هم ينفقون بالليل والنهار، بل من وجدوه محتاجاً أعطوه من مال الله، وينفقون سراً وعلانية، فإذا كانوا في العلانية أرادوا أن يقتدي الناس بهم، وإذا كانوا في السر أنفقوا فكان أعظم في الأجر، فهم ينفقون في كل أحوالهم بالليل والنهار في السر والعلانية.