قال الله تعالى:{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ}[غافر:٨٤] أي: لما جاء العذاب من عند رب العالمين سبحانه على هؤلاء ورأوا بأسنا، والبأس: هو العذاب، وقدرة الله سبحانه وتعالى عليهم، خافوا ورجعوا إلى أنفسهم فتابوا، قال تعالى:(قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) قالوا مثل فرعون لما جاءه الهلاك والعذاب وهو فرح بنفسه وبجنوده، ولما دخل في اليم وانطبق عليه البحر قال:{آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ}[يونس:٩٠]، فقال تعالى:{آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس:٩١] فلا تنفعه التوبة الآن، وكذلك هؤلاء، قال تعالى:{فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[يونس:٩٨]، فالقرية الوحيدة والقوم الوحيدون الذين نفعتهم توبتهم عند الله عز وجل هم قوم يونس، أما غيرهم من الأقوام فلن تنفعهم توبتهم، وقوم يونس لما خرج نبيهم من بلدهم وظنوا أن العذاب آتيهم رجعوا إلى الله قبل أن يأتي العذاب، فلم يأت العذاب، فقد وجدوا أن نبيهم خرج وتركهم فقالوا: سوف ينزل العذاب علينا، سنتوب إلى الله عز وجل، فتابوا فنفعتهم توبتهم.
فالإيمان إنما يكون غيباً، أما إذا كان العذاب مشاهداً ثم يقول: آمنت الآن، فلا ينفعه إيمانه الآن، فالله سبحانه يقول:(فَلَمَّا رَأَوْا) أي: عاينوا، (بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) أي: رجعنا إلى التوحيد، وكفرنا بما كنا به مشركين، كفرنا بالأصنام وبالأوثان، وبالآلهة التي عبدناها من دون الله.