[ذكر ما جاء من مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم بدر]
أيضاً: مما جاء أنه في يوم بدر شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، هذا قبل الخروج لعير أبي سفيان، فقال:(من كان سلاحه حاضراً فليخرج معنا)، فخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وبضعة عشر، ولكن أبا سفيان أفلت إلى مكان آخر، وأرسل إلى الكفار يستغيث بهم، فجاء الكفار لقتال النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه يجدون أن الأمر ليست عيراً يأخذونها، بل هو جيش آت، وهم ليسوا مستعدين لهذا الجيش، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه.
روى الإمام مسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان.
يقصد أنه في البداية شاور، وبعد ذلك شاور صلى الله عليه وسلم حين استغاث أبو سفيان بالكفار، فتكلم أبو بكر فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم، فتكلم عمر فأعرض صلى الله عليه وسلم، فقام سعد بن عبادة رضي الله عنه فقال: إيانا تريد يا رسول الله! وهذا وإن كان في صحيح مسلم إلا أن الظاهر أنه ليس سعد بن عبادة؛ لأن سعداً لم يكن معهم، وإن كان قد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، لكنه لم يكن معهم إنما كان معهم سعد بن معاذ رضي الله تبارك وتعالى عنه، وكان فيها المقداد بن الأسود، واشتهر المقداد بمقولة قالها رضي الله عنه، لكن هذه رواية الإمام مسلم.
والحديث في مسند الإمام أحمد وفيه: أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لقد شهدت من المقداد مشهداً لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما على الأرض من شيء، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجلاً فارساً، وهو الفارس الوحيد الذي كان موجوداً في يوم بدر، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أبشر يا نبي الله! لما استشاره النبي صلوات الله وسلامه عليه فقال قائل الأنصار: تستشيرنا يا رسول الله؟ فقال المقداد رضي الله عنه: إنا والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى صلى الله عليه وسلم: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}[المائدة:٢٤] ولكن والذي بعثك بالحق لنكونن بين يديك، وعن يمينك وعن شمالك ومن خلفك حتى يفتح الله عليك.
وفي رواية أخرى لهذا الحديث ذكرها ابن أبي شيبة فقال سعد بن معاذ -وهذا هو الراجح أن القائل كان سعد بن معاذ سيد الأوس، والآخر سعد بن عبادة سيد الخزرج، لكن القائل كان سعد بن معاذ، ولعل الآخر قالها قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إليه- قال سعد بن معاذ: لئن سرت حتى تأتي برد الغماد من ذي اليمن لنسيرن معك، يعني: سر أينما تريد فنحن معك، حتى وإن سرت إلى اليمن فسنكون معك، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم كلاماً جميلاً وفيه: ولن نكون كالذين قالوا لموسى وذكر ما قال المقداد رضي الله عنه، قال: ولعلك خرجت لأمر فأحدث الله غيره، فامض لما شئت، وصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وسالم من شئت، وعاد من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، رضي الله تبارك وتعالى عنه.
هذا سعد بن معاذ الذي اهتز له عرش الرحمن حين مات شهيداً رضي الله تبارك وتعالى عنه وحملته الملائكة، وحمله المسلمون، وكان ضخماً عظيم البدن رضي الله تبارك وتعالى عنه، ولما حمله المسلمون ما شعروا بذلك، فقد كان خفيفاً وهم يحملونه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه حملته الملائكة، وهو صاحب هذه المقولة العظيمة الذي عاش مجاهداً في سبيل الله، والذي دعا ربه حين أصيب في أكحله في عرق في يده رضي الله تبارك وتعالى عنه في يوم الأحزاب فقال: اللهم إن كنت أبقيت للمشركين قتالاً فأبقني لهم، فإن لم تبق لهم قتالاً فخذني إليك، فأخذه الله سبحانه وتعالى واستجاب له دعوته.
وكان يهود بني قريظة حلفاء للأوس من الأنصار في الجاهلية، ولذلك لما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم بني قريظة تحصن بنو قريظة في الحصون، وأبوا أن ينزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم، ونزلوا على حكم سعد بن معاذ، فقد كان حليفهم في الجاهلية وأرسلوا إليه، وكانوا قبل ذلك أرسلوا لـ عبد الله بن أبي بن سلول ومن قبلهم بنو النضير أرسلوا إليه، وبنو قينقاع كذلك أرسلوا إليهم، فقد كانوا حلفاء للخزرج، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا المنافق عبد الله بن أبي بن سلول، وقال أتقتل هؤلاء كذا دارع وكذا رجل معه سيف وكذا، والله لا تقتلهم! وضل يشفع لليهود حتى أجلاهم النبي صلوات الله وسلامه عليه أخذاً بكلام هذا الرجل، وكذلك أرسلت بنو قريظة إليه وقالوا له: لقد كنت حليفنا في الجاهلية، وأخذوا يتوددون إليه فقال: سأحكم، وسكت ولم يقل: سأحكم بكذا، حتى خرج، فقالوا: لا نريد إلا حكم سعد بن معاذ -رضي الله عنه- قال: فحكمي فيكم أن تقتل مقاتلتكم، وأن تسبى ذراريكم ونساؤكم، وأن تؤخذ أموالكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لقد حكمت بحكم الملك)، هذا حكم الله سبحانه وتعالى نطق به سعد بن معاذ الأوسي الأنصاري رضي الله عنه سيد الأوس، فكان رجلاً موفقاً في حياته حتى توفاه الله سبحانه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لمناديل سعد في الجنة خير من الدنيا وما فيها) هذا منديله، فكيف بما أعد الله عز جل لـ سعد وغيره في الجنة؟ نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل جنته، وأن يقينا عذابه وناره.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.