[تفسير قوله تعالى:(وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم)]
ومن قبل ذلك أول المكذبين قوم نوح، فقد كذبوا الرسل، قال تعالى:{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً}[الفرقان:٣٧].
فذكر الله أول من أهلك الله عز وجل، وآخر من أهلك الله سبحانه وتعالى قبل النبي صلوات الله وسلامه عليه، فكان قوم موسى الذين كذبوا، فأغرق الله عز وجل فرعون وجنوده، ومن قبل ذلك أول من أهلك الله سبحانه وتعالى من القرون قوم نوح، قال:{وَقَوْمَ نُوحٍ}[الفرقان:٣٧]، يعني: واذكر قوم نوح {لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُل}[الفرقان:٣٧]، مع أن رسولهم نوح فقط، الذي جاءهم من عند رب العالمين سبحانه، فدعاهم إلى الله ليل نهار، والذي يكذب رسولاً واحدا فمعناه: أنه مكذب لجميع الرسل، فإن دعوة الرسل دعوة واحدة إلى رب العالمين سبحانه، فهم يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ويدعون إلى الإيمان بالله سبحانه، ويأخذون على الأقوام العهود والمواثيق، آمنوا بالله سبحانه، فإن جاءكم رسول مصدقٌ لما معكم فآمنوا بهذا الرسول، فالإيمان بالله عز وجل مقتضاه: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره، حلوه ومره، فإذا كذب الإنسان رسولاً واحداً فقد كذب بالرسالة، وكذب بكل ذلك، فلذلك جعلهم الله عز وجل مكذبين لجميع رسله، قال تعالى:{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُل}[الفرقان:٣٧]، وقد قام فيهم نوح عليه الصلاة السلام ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل، قال تعالى:{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا}[نوح:٥]، أي: بالليل يدعوهم، وبالنهار يدعوهم، وبالسر يدعوهم، وبالجهر يدعوهم، وأمام الناس يدعوهم، وفي الخفاء يدعوهم، وهم لا يستجيبون لله سبحانه وتعالى، فاستحقوا أن يغرقهم الله سبحانه، فكأن ذكر فرعون وذكر قوم نوح المقصود منه: بيان الإغراق، فقد أغرق الله عز وجل قوم نوح وأغرق قوم فرعون، فجاء العذاب من عند رب العالمين على صورة واحدة، وإن كان هذا الإغراق لقوم نوح إغراقاً عاماً، فالإغراق لفرعون وجنوده كان خاصاً، أما قوم نوح فقد أمر الله عز وجل الأرض أن يخرج منها الماء، وأمر السماء أن ينزل منها الماء، فأغرق من على وجه الأرض، إلا من كان في السفينة مع نوح، أما فرعون فقد أغرقه الله عز وجل وجنوده في اليم كما عرفتم في قصته، قال تعالى:{أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً}[الفرقان:٣٧]، أي: جعلناهم عظة وعبرة للناس وللخلق جميعهم، فقوم نوح أغرقوا جميعهم، ولم يعش بعدهم إلا المؤمنون فقط، فالكفار جميعهم أهلكهم الله سبحانه، والمؤمنون يحدثون الذين من بعدهم، أنهم كانوا قوماً كافرين أغرقهم الله سبحانه وتعالى، فأخبروا عن ذلك إخبار صدق، فقد أخبر الله عز وجل، وأخبر نبيهم عليه الصلاة السلام، وأخبر بذلك المؤمنون، فكانت عبرة وعظة للخلق جميعهم.
وقوله تعالى:{وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ}[الفرقان:٣٧]، أي: لجميع الناس {آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا}[الفرقان:٣٧]، أي: فقد جهز الله عز وجل وأعد لهم العذاب الشديد.