ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات وما قبلها قصة صالح النبي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مع قومه ثمود، وكيف أن الله سبحانه وتعالى أرسل صالحاً إلى ثمود ليدعوهم إلى عبادة الله سبحانه، وكانوا قوماً كفاراً يفعلون المعاصي ويخربون ويفسدون، فلما أرسل الله سبحانه وتعالى صالحاً إليهم ليدعوهم لعبادة الله سبحانه وطاعته قال لهم:{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ}[النمل:٤٥]، يعني: فريق المؤمنين الذين مع صالح وكانوا الأقلية والضعفاء من القوم، وفريق الأكثرية والأغلبية وهم الكفار:(فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ)، كما عبر الله عز وجل في موضع آخر:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا}[الأعراف:٧٥]، أي: الذين كفروا هم المستكبرون، والذين آمنوا هم المستضعفون، فقال الكفار الذين استكبروا للمؤمنين المستضعفين:{أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ}[الأعراف:٧٥] أي: أتستيقنون من ذلك أم أتظنون ذلك؟ فقال المؤمنون:{إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ}[الأعراف:٧٥]، فقال الكافرون:{إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}[الأعراف:٧٦]، {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ}[الأعراف:٧٧]، وكانوا قد طلبوا من صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أن يأتيهم بآية يشاهدونها، وبمعجزة يستيقنون منها أنه نبي، فلما أتاهم بهذه الآية من عند الله سبحانه كادوا أن يؤمنوا بصالح النبي عليه الصلاة والسلام، فلم يزل المستكبرون وكبار القوم يصدونهم عن الإيمان حتى كان الأقل هم المؤمنين، والأكثرية هم الكافرين.
فيقول الله سبحانه وتعالى:{فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ}[النمل:٤٥]، يعني: يتجادلون في أمر صالح، الفريق الضعيف وهم المؤمنون والفريق القوي الغالب وهم الكافرون، فقال صالح لقومه يحذرهم من كفرهم وطغيانهم وعصيانهم، وقد أعطاهم الله عز وجل جنات، وأعطاهم عيوناً وزروعاً وثماراً، وأعطاهم نخيلاً طلعها هضيم، وأشياء عظيمة من الله عز وجل بها عليهم، فإذا بهم يصرون على كفرهم، فقال:{يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ}[النمل:٤٦]، أي: لِمَ تستعجلون بفعل المعاصي نقمة الله وعذاب الله، بدلاً من أن توحدوا الله فتستعجلون بالحسنة جنته والنعم التي تنزل عليكم؟ لم تستعجلون عذاب الله سبحانه ولا تستعجلون رحمته؟ ثم قال لهم:{لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ}[النمل:٤٦]، فدعاهم للتوبة والاستغفار، لعل الله أن يرحمهم، فإذا بهم يتشاءمون منه، ويعلنون له ذلك:{(قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ}[النمل:٤٧]، قال: شؤمكم عند ربكم، يعني: ما تظنونه شؤماً في الدنيا وهو توحيد الله والدعوة إلى الله عز وجل، فشؤمكم الحقيقي ما يكون بعذابكم يوم القيامة من أعمالكم السيئة؛ لأنكم تستحقون أن توصفوا بذلك فأنتم أهل شؤم وأهل فساد، فتستحقون العقوبة من الله سبحانه وتعالى، فطائركم نتيجة كلامكم ومعصيتكم وإفسادكم العذاب عند الله، هذا هو الطائر وهذا هو الشؤم الحقيقي لكم، {قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}[النمل:٤٧]، أي: أن الله يمتحنكم بأن أعطاكم القوة والغنى، وجعل المؤمنين هم الضعفاء.