للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شبهة الاحتجاج بالقدر والرد عليها]

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الزخرف: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الزخرف:٢٠ - ٢٥].

يخبر سبحانه وتعالى في هذه الآيات من سورة الزخرف عن احتجاج الكفار بالأقدار.

قال تعالى على لسانهم: (لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ) أي: لو أراد الله لحال بيننا وبين عبادة الأحجار والملائكة والأصنام، وهذا كلام حق أريد به باطل، فالله عز وجل ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، والله عز وجل خلق العباد فمنهم كافر ومنهم مؤمن، فالإنسان لا يحتج بالقضاء والقدر على ما هو فيه من المعصية، ولكن يقال له: ما يدريك أنك من أهل الجنة أو من أهل النار؟! ما يدريك أنه يختم لك بالسعادة أو بالشقاوة؟! أنت الآن تقدر أن تفعل وأن تترك؛ فما يمنعك أن تترك هذا الباطل الذي أنت فيه وتفعل الخير؟! وما الذي يأمرك أن تحتج بالقدر على المعصية، وهلا تركت هذه المعصية وفعلت الخير واحتججت بالقدر على الخير الذي تفعله؟! لكن الإنسان يقول كلاماً يهرب به من حقيقة الأمر، فإذا وقع في المعصية يقول: الله أمرنا بها! والله عز وجل يقول: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٢٨]، فهل أمركم الله عز وجل أن تعبدوا غيره؟! وهل أمركم الله سبحانه أن تقعوا في المعاصي؟! افعلوا الخير وقولوا: الله أمرنا به، أما أن تفعل الشر وتقع في المعاصي ثم تحتج بالقدر فليس لك ذلك؛ لأن لك اختياراً، والله سيحاسبك على اختيارك للخير أو اختيارك للشر.

قال الله تعالى: (مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ) أي: بصحة ما قالوه واحتجوا به.

ثم قال تعالى: (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أي: يكذبون ويتقولون ويفترون على الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>