[ذكر نبذة من حياة أم المؤمنين صفية رضي الله عنها]
ومن نساء النبي صلى الله عليه وسلم السيدة صفية بنت حيي بن أخطب الهارونية، من أولاد هارون أخي موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
كانت السيدة صفية بنت سيد قومها أيضاً، وسباها النبي صلى الله عليه وسلم في يوم خيبر، ومنّ عليها صلى الله عليه وسلم وأعتقها وأسلمت، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فصارت أماً للمؤمنين رضي الله تبارك وتعالى عنها.
ففي غزوة خيبر كانت أمة عند واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اسمه دحية الكلبي، وقعت في سهمه وأراد بيعها فاشتراها منه النبي صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس، وصارت أمة للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها ومن عليها وتزوجها.
نلاحظ أن السيدة جويرية كانت أمة واشتراها النبي صلى الله عليه وسلم ومَنّ عليها وأعتقها وتزوجها، وجاء في حديثه صلى الله عليه وسلم أن من الناس من يؤتى أجره عند الله مرتين، أي: يؤتى الأجر مضاعفاً عند الله، منهم: (من كان عنده أمة رباها فأحسن تربيتها، ثم أعتقها وتزوجها)، فالإنسان عندما يكون عنده أمة يملكها، فما الذي يجعله يعتقها ثم يتزوجها كأي حرة؟ فأي إنسان سيكون تفكيره على ذلك، إذ هي عندما تكون أمة عنده فهو يملكها، ويستمتع بها كما يشاء، ويوماً ما تضايقه فيبيعها، فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يحث الناس على تحرير الرقاب فبدأ بنفسه يعتق عليه الصلاة والسلام، وكم أعتق من الرقاب عليه الصلاة والسلام، يقولون: فلان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: كان عبداً عند النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه.
ولعل الإنسان عندما يقول: هذه الأمة أنا أعتقها ثم أتزوجها تكون هذه معرة، فيقوم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حتى يكون قدوة للخلق عليه الصلاة والسلام، فهذه جويرية رضي الله تبارك وتعالى عنها كانت من سبي بني المصطلق، كانت أمة وصارت عند النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، فإذا به يعتقها صلى الله عليه وسلم ويتزوجها حتى يتعلم من كانت عنده أمة أن يعتقها.
ولعله إن أعتق الأمة وتركها ليس لها أهل؛ لأنها من قبيلة أخرى، فقد تضيع بين الناس، فإذا تزوجها حافظ عليها وصارت معززة مكرمة عنده فازدادت منزلتها، ففعل ذلك صلى الله عليه وسلم بالسيدة جويرية وفعل ذلك بالسيدة صفية بنت حيي.
وصفية بنت حيي أبوها حيي بن أخطب، قتل كافراً يهودياً، فهو الذي كان سبب مجيء قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعامل إنساناً بمعاملة إنسان آخر آثم، ولكنه يعتقها صلى الله عليه وسلم وتسلم رضي الله عنها، ويتزوجها النبي صلوات الله وسلامه عليه، وتكون أماً للمؤمنين تحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فالسيدة عائشة اغتاظت منها مرة من المرات، فتقول للنبي صلى الله عليه وسلم: إن صفية -وتشير بيدها- قصيرة، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وقال: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)، أي: فلو وضعت هذه الكلمة في ماء البحر لأنتن، مع أن البحر طهور لا ينجسه شيء، لكن هذه الكلمة تنجس ماء البحر لو وضعت عليه، والكلمة هي أنها أشارت بيدها أنها قصيرة.
وكم في مجالسنا من القيل والقال، وهذا من شؤم الإنسان أن يتكلم بالغيبة والنميمة على الخلق.
السيدة حفصة في مرة من المرات كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وكانت السيد صفية معه أيضاً، والسيدة صفية راكبة على جملها، وحدث للجمل حدث فلم يصلح للركوب، وكان عند السيدة حفصة أكثر من جمل، فطلب منها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعين بما عندها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان عنده فضل ظهر فليعد من لا ظهر له)، فالسيدة حفصة كأنها أخذتها الغيرة، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أنا أعطي هذه اليهودية.
وهذه كلمة ليست طيبة أبداً، ولما قالتها سكت عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهجرها فترة طويلة على هذا حتى تأدبت، وحتى يئست من أن يأتيها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكلمها أبداً عليه الصلاة والسلام فترة طويلة حتى أحدثت توبة إلى الله عز وجل، فجاءها النبي صلى الله عليه وسلم بعدما تابت من هذا الذي قالته، وبعدما عاقبها فترة طويلة على ذلك.
وفي ذلك دلالة على تأديب النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بيته، فالغيرة موجودة، ولكن أن تصل الغيرة إلى أن يقال عن واحدة قد أسلمت: يهودية؛ فهذا لا ينبغي، واليهودية إذا أسلمت لها أجران عند الله عز وجل، أجر أنها كانت يهودية ثم عرفت الحق، فاتبعت الحق ودخلت في الإسلام، فتؤتى أجرها مرتين عند الله تبارك وتعالى.
وكان بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم يتعالين عليها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم السيدة صفية أن ترد عليهن بقولها: إنها تحت نبي وأبوها نبي، أي: أبوها سيدنا هارون أخو موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يأخذ لها حقها ممن يظلمها، وقد تعلمنا من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومن سيرته مع نسائه كيف كان يعدل بينهن عليه الصلاة والسلام، كيف كان يأخذ الحق لصاحبه، وهذا من ضمن الحكم في تعدد نساء النبي صلى الله عليه وسلم، إذ تحدث حوادث ونرى كيف يصنع النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وكيف يصبر على أذى نسائه عليه الصلاة والسلام، وكيف يؤدبهن ويهذبهن عليه الصلاة والسلام، فيتعلم المسلمون من النبي صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة الحسنة.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا معه في الجنة صلوات الله وسلامه عليه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.