للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الزمر: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [الزمر:٦٧ - ٧٠].

هذه الآيات من آخر سورة الزمر يذكر الله عز وجل فيها ما يكون من أحداث يوم القيامة، النفخ في الصور، والجزاء والبعث من القبور، فريق في الجنة وفريق في السعير.

قال سبحانه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر:٦٧] أي: ما عبدوه حق عبادته، وما عظموه حق تعظيمه، وما أعطوا لله سبحانه ما يجب عليهم وما ينبغي له سبحانه تبارك وتعالى.

{وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:٦٧] فهذا الإنسان الذي يتطاول على الخلق، ويستكبر على الخالق سبحانه وتعالى، ويسير في الأرض يظن نفسه عالياً مرتفعاً قوياً عظيماً شاباً غنياً له مال وله عيال وعنده رجال يظن في نفسه ذلك، من يكون؟ حتى ولو حاز ما في الأرض جميعها.

فالأرض جميعاً في قبضة الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، يقبضها بيمينه سبحانه، ويطوي السماوات أيضاً بيمينه سبحانه وتعالى، ويقول: (أنا الجبار، أين ملوك الأرض؟) وحين يقبض الله عز وجل الخلق، ينفخ في الصور نفخة الموت فيموت كل من شاء الله سبحانه وتعالى ويقضي الله عز وجل بالفناء على جميع خلقه.

قال الله سبحانه: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧] الذي يبقى هو الله سبحانه وتعالى، وكل من سواه يفنى، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٦ - ٢٧].

فهؤلاء الذين يستكبرون في هذه الدنيا لم يعرفوا الله سبحانه، ولو عرفوا الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، ولو عرفوه بقدرته وكماله وعظمته سبحانه؛ لقدروه حق قدره، ولعبدوه حق عبادته، لكنهم وإن عرفوا في الظاهر لم تدخل المعرفة إلى القلوب ليكون فيها الإيمان واليقين والخوف من الله سبحانه، فالمؤمنون يخافون من الله سبحانه، ويعرفون قدر الله سبحانه وتعالى، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:٢ - ٤] أي: المؤمنون حق الإيمان الذين استحقوا هذا الاسم هم المصدقون المستيقنون الذين يخافون من الله، وإنما من أدوات القصر، أي: الموصوفون بهذه الصفات هم المؤمنون، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال:٢] أي: دخل الخوف والرهبة من الله عز وجل في قلوبهم، ((وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا) [الأنفال:٢] أي: إذا سمع أحدهم القرآن العظيم ازداد إيماناً فوق إيمانه، ويقيناً فوق يقينه، وخوفاً من الله، وطمعاً فيما عند الله فوق ما كان موجوداً فيه، فهؤلاء هم المؤمنون الذين يعرفون قدر الله وقدرة الله سبحانه وتعالى فيعظمونه ويعبدونه العبادة التي تنبغي له سبحانه.

قال سبحانه: ((وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:٦٧] أي: في قبضته سبحانه وتعالى يقبض الأرض جميعها، والسماوات يقبضها ويطويها كطي السجل للكتب، قال سبحانه: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء:١٠٤] يوجد في الكتاب صفحات مفتوحة كذلك السماوات بعضها فوق بعض فيطويها الله سبحانه كما يطوى الكتاب بجلدته، {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:١٠٤] بدأ الخلق الأول من لا شيء، وسيعيده الله سبحانه بعدما فني، وليست الإعادة بالصعبة على الله سبحانه، وهو الذي بدأ الخلق أول مرة فالإعادة أهون عليه سبحانه وتعالى.

قال: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧] يذكر عن نفسه أنه المستحق للتنزيه والتقديس والتسبيح سبحانه ما أعظمه! ومعنى سبحان الله أي أنزه الله سبحانه عن أي نقص، أو أي عيب، أو أي شيء، فالله سبحانه منزه ومقدس عن أن يشابهه شيء أو يماثله شيء سبحانه وتعالى.

{وَتَعَالَى} [الزمر:٦٧] أي: تمجد سبحانه وتعالى {عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧].

<<  <  ج:
ص:  >  >>