[تفسير قوله تعالى: (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات)]
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الروم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:٤٦ - ٤٧].
هذه آيات من آيات الله العظيمة يذكرها لنا سبحانه وتعالى في هذه الآيات من سورة الروم، وآياته كلها عظيمة سبحانه، وهذه الآيات مثل النعم لا تحصى أبداً، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الروم:٤٦]، فهذه الآيات يذكركم الله بها لعلكم تشكرون الله سبحانه وتعالى عليها.
والآية هي المعجزة التي تدل على عظيم القدرة، ((وَمِنْ آيَاتِهِ)) أي: ومن أعلام كمال قدرته سبحانه {أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ} [الروم:٤٦]، فالرياح آية من آيات الله سبحانه، لا يدري الإنسان كيف تتكون هذه الرياح، وكيف ترسل، ومتى ترسل، ومتى تسير، فالله عز وجل الذي يدبر هذا كله، والإنسان يرى علامات، وعليه أن يعتبر بهذه العلامات التي يراها، فالذي يرسل الريح والذي يمسك الريح هو الله سبحانه وتعالى، فمن آياته العظيمة أن يرسل الرياح مبشرات، أي هذه الرياح تبشر من يشعر بها ويحس بها بقرب نزول المطر.
{وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الروم:٤٦]، رحمة الله عظيمة واسعة، فمن رحمة الله وروحه سبحانه أن يرسل الرياح فتنزل المطر، فيأتي الغيث فيغاث به العباد، ويخرج الله عز وجل النبات، فيكون الخصب للعباد، وكذلك الرياح يستروح بها الإنسان، فهي راحة للإنسان في يوم صائف حين تهب فيستشعر الإنسان رحمة رب العالمين سبحانه وتعالى.
وكذلك يرسل الرياح في البحر فيستبشر أصحاب السفن وتسير السفينة بهذه الرياح بفضل الله سبحانه وتعالى، وغير ذلك مما استغل العباد فيه هذه الرياح في منافعهم التي سخرها الله عز وجل لهم بالرياح، وسخر لهم العقول لتستفيد من هذه الرياح، فمن الريح يصنعون طواحين هوائية، ويصنعون مراوح من الريح، ويولدون الكهرباء والتيار، ويستشعرون فضل الله سبحانه وتعالى عليهم.
وقوله: {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الروم:٤٦] أي: بعضاً من رحمته، تستشعرون بها كيف أن الله بعباده رءوف رحيم سبحانه.
{وَلِتَجْرِيَ} [الروم:٤٦] بهذه الرياح: {الْفُلْكُ} [الروم:٤٦] السفن العظيمة والمراكب في البحار {بِأَمْرِهِ} [الروم:٤٦]، فهو الذي يسخر، وهو الذي ييسر، وهو الذي يسير سبحانه وتعالى، فيرسل الريح فتسير هذه المراكب وهذه السفن بمنافع العباد؛ ليحمدوا الله سبحانه، ويشكروه على نعمه.
{وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الروم:٤٦] تجري الفلك بأمر الله سبحانه وتعالى، يسير الإنسان في البحر راكباً مركباً، وإذا بالريح توافقه وتواتيه، فيفرح بهذه الريح، وإذا وقفت الريح يقف مكانه، وينتظر رحمة الله سبحانه، ولعلها تعاكس الإنسان وتأتي على غير المكان الذي يريده، ولعلها تعصف بالإنسان وبما يركبه، ولعلها تقصف به فتغرقه، فالريح التي يرسلها الله تكون نسيماً وتكون ريحاً طيبة، وقد تكون عاصفة وقد تكون قاصفة، وهذا من أمر الله سبحانه، فلا ترسل إلا بأمره، فيأذن ويأمر فيكون أمره سبحانه على ما يريد.
{وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الروم:٤٦] في البر والبحر، بفضل الله وبرحمته سبحانه، فالرياح يرسلها الله سبحانه فتحمل أشياء أنت لا ترى هذه الأشياء، تحمل حبوب اللقاح من أشجار إلى أشجار أخرى، فتلقحها، فإذا بالله يخرج منها الثمار التي يأكلها الإنسان ويستلذ بها ويتفكه بها؛ ليشكر الله سبحانه وتعالى على ذلك.
والريح يستروح بها الإنسان، وترطب عليه، وتأتيه بالمطر، وتحرك السحاب من مكان إلى مكان، وتلقح الأشجار، أشياء عجيبة! هذا أمر الله سبحانه، وهذا من قدرته وكماله سبحانه وتعالى.
{وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الروم:٤٦]، هذا من فضل الله سبحانه، فبهذه الريح تتنقلون في السفر من مكان إلى مكان بالسفن {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} [إبراهيم:٣٢]، وقال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٨]، فخلق للعباد ما علموا من أشياء ركبوها، وما لم يعلموا فاستحدثوها، صنعوا الفلك التي تجري في البحر بأمره سبحانه، وصنعوا الطائرات التي تصعد فوق الرياح في الهواء، وهذا كله بأمر الله سبحانه، وتسخير من الله سبحانه، ليبتغوا من فضل الله، ومن رزق الله، ويسافرون من بلد إلى بلد، ويبتغون رزق الله سبحانه وتعالى، وينقلون بضائعهم، وينقلون القوت من بلد إلى بلد، وهذا من فضله سبحانه.
قال: {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الروم:٤٦] فعلى الإنسان أن يشكر عندما يستشعر نعم الله سبحانه، وعادة الإنسان أنه كنود جحود كما قال الله سبحانه: {إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات:٦] أي: جحود، ينسى هذه النعم، فإذا هاجت الريح قليلاً بعواصف ورمال يشتم ويسب الريح، وينسى فضل الله سبحانه ورحمة الله وآيات الله، وأن هذه آية من الآيات، فالذي أثارها هو الذي يهدئها، فارجع إليه، وادعه سبحانه وتعالى، واطلب من رحمته سبحانه، ولا تضجر بأمر الله سبحانه وتعالى.
يقول: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الروم:٤٦] يعني: تشكرون الله على هذه النعم بتوحيدكم ربكم سبحانه، وبحسن عبادتكم إياه، وبطاعتكم له، وباجتنابكم معاصيه.