[تفسير قوله تعالى:(وداود وسليمان إذا يحكمان في الحرث)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ}[الأنبياء:٧٨ - ٨٠].
يذكر الله عز وجل لنا في هذه الآيات ذكراً عن داود وسليمان عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، وهذه السورة مذكور فيها ستة عشر نبياً.
الثامن والتاسع على ترتيب السورة هما داود وسليمان عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، قال تعالى:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ}[الأنبياء:٧٨]، وهما منصوبان بفعل محذوف مقدر، تقديره: واذكر سليمان وداود عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، حين كانا يحكمان في الحرث، قيل: كان كرماً -أي عنباً- عناقيده مدلاة.
{إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ}[الأنبياء:٧٨]، وهم رعاة الغنم، فقد دخلت غنمهم في الليل في هذا المكان وتناولت الزرع فنفشته أي: رعت فيه، فأكلت عناقيد العنب بالليل، فمعنى: نفشت أي: رعت في الليل، وأصل النفش هو الرعي للإبل أو للغنم بالليل.
قال سبحانه:{وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}[الأنبياء:٧٨] يعني: ناظرين للحاكم وللمحكوم، فالذي حكم داود وسليمان، والمحكوم عليهم هم الخصوم.
وداود هو الأب، وسليمان ابنه عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، وداود ملك ونبي وسليمان ملك ونبي عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، ولكن في هذه القصة إشارة إلى أن داود كان كبيراً، وسليمان كان صغيراً، والله سبحانه وتعالى علم الاثنين فجعل هذا نبياً وهذا نبياً، وأعطى لكل منهما حكماً وفهماً، وفي هذه القصة أمر واضح، وهو أن سليمان فهم ما لم يفهمه داود على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، وقوله:{وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}[الأنبياء:٧٩]، أي: الاثنين على علم وعلى حكم من الله عز وجل، ولكن فهمنا سليمان هذه المسألة وغيرها من المسائل، وجعلناه يفهم ويستوعب ما لم يفهمه داود على نبينا وعليهما الصلاة والسلام.