[تفسير قوله تعالى:(وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم)]
يقول الله سبحانه:{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[الزمر:٦١].
إن الله عز وجل يهلك الكفرة والمستكبرين الذين تكبروا على آيات الله سبحانه وتعالى، وعلى رسله عليهم الصلاة والسلام، فتهوي بهم النار إلى قعرها جزاءً وفاقاً، ولكن المؤمنين ينجيهم الله سبحانه وتعالى، وكأنهم لما عاينوا وخافوا في الموقف يوم القيامة، ومروا فوق الصراط حصل لهم رعب وخوف، فنجاهم الله سبحانه وتعالى من ذلك.
وقوله تعالى:{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا} هذه قراءة الجمهور، وقراءة روح عن يعقوب:{وَيُنْجِي اللَّهُ} بسكون النون، وقوله:(بمفازتهم) هذه قراءة الجمهور، وقرأها شعبة عن عاصم وحمزة والكسائي، وخلف:((بِمَفَازَاتِهِمْ)) على الجمع، والمفازة مصدر بمعنى: الفوز يعني: بفوزهم، وبما كتب الله عز وجل لهم من سعادة يوم القيامة بفضله وبكرمه عليهم سبحانه وتعالى فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله.
قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).
فالجنة ثمنها غال لا يقدر العبد على دفعه، ولكن السبب إليها يسير، فإذا قيل لك: ادفع ثمن الجنة وأنت في الدنيا فلن ترض، ولن تقدر، فإذا عبدت ربك وخدمت دينك فلك الجنة التي لا تقدر على دفع ثمنها، حصلت عليها بالأخذ بالأسباب، وإذا نويت الخير وفعلته حصلت على ثوابه، وإذا لم تفعله أجرت على نيتك، فالمطلوب هو الأخذ بالأسباب، والنتيجة على الله سبحانه تبارك وتعالى، وعملك سبب لدخول الجنة، أما أن تدفع ثمن الجنة فهذا مستحيل، فالجنة العالية العظيمة الغالية تدخلها بفضل الله وبرحمته سبحانه وتعالى، وعملك لو وزن مع نعم الله عز وجل عليك فلا تكافؤ، قال الله تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}[إبراهيم:٣٤]، وإذا عددت عملك سوف تحصيه، وإذا عددت نعم ربك العظيمة عليك فلن تحصيها، ففكر في نفسك، وما الذي فيك من أعضاء، وانظر إلى جلدك وكيف أنعم الله عليك به، وانظر إلى العين واللسان والشفتين، وإلى السلاميات والمفاصل، وإلى كل أعضائك، فهذه كلها من النعم التي أنعم الله بها عليك، ومهما عملت في الدنيا لتؤدي شكرها فلن تستطيع، إنما تؤدي شكر بعضها، أما كلها فلن تحصيها، قال الله تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}[النحل:١٨]، {إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم:٣٤]، فالله يغفر ويرحم سبحانه، والإنسان يغبن نفسه وغيره، ويجحد نعم الله عز وجل عليه.
فيوم القيامة ينجي الله عز وجل المؤمنين بما كتب لهم من رحمته، وبسعادتهم التي سبقت عنده؛ لأن أهل السعادة ييسرون لعمل أهل السعادة، فيدخلهم الله عز وجل الجنة فائزين بفضله وبرحمته سبحانه.
وقوله تعالى:((وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ)) أي: بما نجاهم الله عز وجل فيه من رحماته العظيمة الواسعة، وما أعطاهم من فوز يوم القيامة.
وقوله:((لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ)) أي: لا ينالهم ولو شيء قليل من السوء، فعبر بالمس، ولم يعبر بالاحتراق؛ ليدل على أنه لا يمسهم شيء يسوؤهم طالما أن الله كتب لهم النجاة من النار.
قال الله تعالى:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}[آل عمران:١٨٥] وهذا الفوز العظيم عند الله سبحانه، وفي قوله تعالى:((لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) أنهم لا يحزنون على ماض، فهم يحمدون الله أن خرجوا من الدنيا دار الفتن والمحن، ودخلوا الوطن الحقيقي للإنسان، وهو جنة الله سبحانه تبارك وتعالى، فلا يحزنون على شيء فاتهم.