[تفسير قوله تعالى:(ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه)]
يقول الله عز وجل مذكراً بآية من آياته سبحانه:{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[النمل:٨٦]، هذه آية من آيات الله، وقد ذكر آيات كثيرات من آياته سبحانه حين قال:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}[النمل:٥٩]، ثم عدد نعمه وآياته على عباده سبحانه وتعالى، ثم هنا لما قال لعباده:{أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[النمل:٨٤]، أي: ماذا كنتم تعملون في الدنيا غير التكذيب؟ فلم تتفكروا في آيات الله عز وجل التي ترونها كل يوم وكل ليلة، قال:{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ}[النمل:٨٦]، أي: جعلنا لكم الليل تنامون فيه، ولو جعلنا عليكم النهار سرمداً ما أطقتم ذلك ولتعبتم ولهلكتم، ولكن جعلنا لكم ليلاً للنوم والراحة تسكنون فيه، ونهاراً مبصراً لمعاشكم، فالله يقلب الليل والنهار، ويجعل هذا مظلماً وهذا مضيئاً، ويجعل هذا بارداً وهذا حاراً، ويقلبكم بين الليل والنهار، فلم لا تتفكرون في عمركم كله في الذي جعل لكم الليل وسخر لكم الشمس والقمر دائبين؟! لم تتفكروا في ذلك فماذا كنتم تعملون؟ كل عمرك تلعب وتلهو، وفي هذا الامتحان الأعظم بين يدي الله سبحانه وتعالى يسألك:{أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[النمل:٨٤]، عشت خمسين أو ستين سنة، فما فعلت في هذه الدنيا غير التكذيب؟! قال سبحانه:{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ}[النمل:٨٦]، جعلناه سكناً يستقرون وينامون فيه، ويهدءون ويستريحون فيه، وجعلنا النهار مبصراً أي: يبصر الإنسان فيه، ويسعى لطلب رزقه في النهار.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[النمل:٨٦]، دلالات دالة على قدرة الله سبحانه وعلى رحمته بعباده، ولكن لا يفهم هذه الآيات إلا المؤمنين {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨]، فالعالم المؤمن يخاف من الله، ويتقي الله سبحانه، ويعلم أنه إليه راجع، فيؤمنون بالله مصدقين بآياته.