للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[طلبهم إنزال ملك من السماء]

قال تعالى حاكياً عما اشترطوه لإيمانهم: {لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان:٧]، فأجابهم سبحانه في سورة الأنعام عن ذلك بقوله: {وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ} [الأنعام:٨]، أي: ولو جعلناه ملكاً لجعلناه بشراً؛ لأنكم لا تطيقون أن تنظروا إلى أي ملك من الملائكة، وقد كنتم قبل ذلك لا تستغيثون بالجن، فقد كان يقول أحدكم: أعوذ برب هذا الوادي -أي: من الجن- لأنهم يخافون منهم، وكانت الجان والشياطين يضحكون عليهم، ويرهقونهم في طريقهم، فيسمعونهم أصواتاً، فيخافون من ذلك.

فكانت الجن تتلاعب بهم؛ لأنهم مشركون بالله رب العالمين، فإذا كان الجان وهم ضعفاء تخافون منهم فإنكم ستخافون من الملك من الملائكة إذا نزل عليكم، وستصدقون جبراً وكرهاً، والله لا يريد ذلك منكم، وإنما يريد أن تؤمنوا اختياراً وطوعاً، وتستشعرون أنكم تختارون هذا الدين على غيره، حتى يحاسبكم الله سبحانه تبارك وتعالى على ذلك يدخلكم الجنة، فلو جعلناه ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون، ولو أنزلنا ملكاً لجعلناه في صورة البشر، فيكون الأمر تحصيل حاصل؛ لأننا سنجعل الملك على صورة البشر، حتى لا تفزعون منه، وإذا كنا سنجعله بشراً فلا داعي لذلك؛ لأن عندكم البشر منكم، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، يدعوكم إلى رب العالمين، إذاً: فاختياركم أن يكون الرسول ملكاً ينزل من السماء ليس شيئاً وجيهاً ولا سديداً، بل هو كلام من الزور والكذب والتضليل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>