[الحكمة من سرد قصص الأنبياء على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين]
هذا السؤال كان بعد أن قص الله سبحانه على النبي صلى الله عليه وسلم قصص مجموعة من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وهذه السورة كما ذكرنا سورة مكية، نزلت والنبي صلى الله عليه وسلم يؤذى من قومه، وأصحابه يفتنون ويبتلون ويعذبون من الكفار، فالله يثبت نبيه صلى الله عليه وسلم ويثبت المؤمنين بذلك، فهذا نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام قال الله عنه: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات:٧٥]، وذكر باختصار قصة نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
ثم ذكر: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} [الصافات:٨٣]، وذكر باختصار قصة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام مع عباد الأصنام، وكيف كسر أصنامهم، وكيف ذهب مهاجراً إلى ربه سبحانه وتعالى، وكيف بشره الله سبحانه بالغلام العليم، وجاءه إسماعيل على نبينا وعليه الصلاة والسلام، رأى في المنام أنه يذبح ولده، وأن الله أمره بذلك، فلما علم الله سبحانه وتعالى صدقه فداه بذبح عظيم, وكانت آية من آيات الله سبحانه، ثم بشره بإسحاق، وكل من جاء من الأنبياء بعد إبراهيم هم من ذرية إسحاق عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، إلا نبينا صلى الله عليه وسلم فهو الوحيد من الأنبياء من ذرية إسماعيل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
ثم ذكر الله عز وجل بعد ذلك ذكر موسى وهارون وكيف ابتلاهم الله سبحانه وتعالى، وآتاهما الكتاب المستبين، ونصرهم الله سبحانه وتعالى بعد ما ابتلي موسى وهارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، وساقها باختصار.
وذكر بعد ذلك قصة إلياس عليه السلام وكان من المرسلين، وكيف كان قومه يعبدون صنماً اسمه بعل عبدوه من دون الله، فأهلكهم الله سبحانه وتعالى.
ولوط على نبينا وعليه الصلاة والسلام دعا قومه إلى عبادة الله، وكانوا يأتون الفاحشة ويشركون بالله ويأتون الذكران من العالمين، فلما أبوا إلا الإعراض والتكذيب، وأرادوا قتل نبيهم أهلكهم الله سبحانه: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الصافات:١٣٧ - ١٣٨].
وذكر قصة يونس على نبينا وعليه الصلاة والسلام كيف أنه أبق إلى الفلك المشحون، {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات:١٤١ - ١٤٢]، ثم نجاه الله سبحانه وبعثه إلى مائة ألف أو يزيدون، {فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات:١٤٨].
إذاً: قصص الأنبياء التي يسوقها الله سبحانه وتعالى المقصد منها: تسلية النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأن يأخذوا منها العظة والعبرة، وأن الله يترك عباده هؤلاء فترة لعلهم يؤمنون، ولا يتركهم إهمالاً لهم ولكن إمهالاً منه سبحانه وتعالى، يمهلهم، ويحلم بهم سبحانه ويصبر عليهم لعلهم يؤمنون، وهو أعلم سبحانه وتعالى من الذي يستجيب ومن الذي لا يستجيب، ففي قصص الأنبياء العبرة للنبي صلى الله عليه وسلم: اصبر ولا تعجل، {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} [القلم:٤٨ - ٤٩]، فمنها يتعلم النبي صلى الله عليه وسلم ويتعلم المؤمنون عدم العجلة، أي: لا تكن كيونس على نبينا وعليه الصلاة والسلام حين تعجل وغضب من قومه وتركهم؛ لأنهم لم يؤمنوا، وإذا بالله عز وجل يتوب عليه، وقومه تابوا إلى الله.
فهذه القصص فيها إخبار النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن الله قد يبادر ويعاجل بالعقوبة، وقد يمهل القوم لحكمة منه سبحانه، فلا تعجل، أي: اصبر لأمر الله سبحانه وتعالى، فإن الفرج يأتي بعد الضيق، وكما قصصنا عليك قصص هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فتوجه الآن إلى هؤلاء الكفار، وأمرهم بالمعروف وانههم عن المنكر، واسأل هؤلاء: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} [الصافات:١٤٩].
أي: آلله اصطفى لنفسه البنات، وتقولون: هن لله سبحانه وتعالى، ولكم أنتم البنون وتفتخرون بهم؟!