[تفسير قوله تعالى: (إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم)]
قال سبحانه وتعالى: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات:٤٠] أي: استثنينا هؤلاء من جملة المعذبين الذين يعذبون في النار، والمعنى: لكن هؤلاء ليس لهم النار وهذا استثناء منقطع، فإلا هنا بمعنى: ولكن، لكن عباد الله الصالحون أدخلناهم جنات نعيم.
((إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ)) المخلصَين والمخلصِين، هم مخلصَون استخلصَهم الله عز وجل أي: اجتباهم وانتقاهم من خلقه واصطفاهم فكانوا لله سبحانه عُبّاداً وعِبَاداً، وأخلصَوا له سبحانه تبارك وتعالى، فهذا فضل الله يجتبي ويختار ويصطفي من يشاء سبحانه وتعالى.
والمخلصَين اسم مفعول، أي: أستخلصَهم الله وأخلصَهم ونقاهم، وهذه قراءة المدنيين نافع وأبي جعفر وقراءة الكوفيين كلهم عاصم وحمزة والكسائي وخلف يقرءون: ((إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ)).
وباقي القراء يقرءونها: (إلا عباد الله المخلصِين) باسم الفاعل، فهم مخلصَون وهم مخلصِون، مخلصِون: أخلصوا لله سبحانه، فلم يعبدوا إلا الله، وإنما أخلصَوا في دينهم وأخلصَوا في عبادتهم وفي توحيدهم فلم يشركوا بالله سبحانه وتعالى شيئاً، فاجتباهم الله فصاروا كذلك.
فهم مخلصَون لأن الله أحبهم واختارهم، وهم مخلصِون في عبادتهم لله سبحانه.
قال الله تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} [الصافات:٤١] أي: هؤلاء الذين شرفهم الله وأكرمهم ((لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ)) لهم رزقهم فيها بكرة وعشياً، والرزق في الجنة عظيم كثير، فكل في أي وقت، واشرب ما تشاء، وافعل ما تشاء، وهذا من فضل الله عز وجل على عباده المؤمنين.
{أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} أي: هؤلاء المخلصَون والمخلصِون لهم عطية معلومة لا تنقطع أبداً، ورزق لا ينفد، فهو عطاء من الله غير مجذوذ أي: غير منقطع، وهذا الرزق منه الفواكه ومنه اللحم كما قال الله: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:٢١]، ومنه الخير العظيم، فكل ما يشتهيه المؤمن في جنة الخلود يجده.
قال الله تعالى: {فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ} [الصافات:٤٢] فمن ضمن رزقهم عند الله عز وجل الفواكه وهي ما يتفكهون بها، والإنسان في الدنيا يحب أن يأكل الفاكهة إذا أكل القوت، ومعنى القوت ما يقيته ويقيم بدنه، وفي الجنة هم قد أحياهم الله عز وجل الحياة الدائمة التي لا تنغيص فيها، فأعطاهم الحياة وأعطاهم أقواتهم وأرزاقهم وفكههم بأعظم الفاكهة، قال: {فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ}.
والحال أنه ما يكرمهم به سبحانه وتعالى من فضله وكرمه، {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الصافات:٤٣] أي: التي ينعمون فيها، فهم عباد الله المنعمون في الآخرة، ((فِي جَنَّاتِ)) أي: في بساتين عظيمة عند الله سبحانه فيها النعيم المقيم.
{عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الصافات:٤٤] أجلسهم الله سبحانه وتعالى على الأسرة، فلكل منهم عرش في جنة الخلود، والعرش سرير عظيم مثل عرش الملك، فجعلهم ملوكاً في الجنة وجعلهم ((عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)) كل على كرسيه الذي يجلس فيه ينظر إلى صديقه وإلى رفيقه وإلى حبيبه، ينظر بعضهم إلى بعض، فلا يوجد تدابر في الجنة، فلا يوجد من يعطي الثاني ظهره، ولكن يخاطب بعضهم بعضاً، ويقبل بعضهم على بعض في جنة الخلود، ويتحركون بهذه الأسرة كيفما يشاءون.