[تفسير قوله تعالى: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم)]
قال الله تعالى: {قل يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة:١١] هو ملك من ملائكة الله سبحانه وتعالى، جعل الله له قوة وقدرة عظيمة، يقدر على أن يأخذ أرواح البشر ويتوفاهم، والتوفي هو القبض، تقول: استوفيت حقي من فلان، أي: قبضته وأخذته وافياً، والله سبحانه يتوفى وملك الموت يتوفى، قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:٤٢]، فالله يتوفى وملك الموت يتوفى، لكن هناك فرق بين أن يتوفى الله سبحانه وتعالى وبين أن يتوفى ملك الموت، والله يخلق ويحيي سبحانه، وهو الله عز وجل يتوفى الأنفس حين موتها، والله سبحانه هو الذي خلق الموت والحياة، وهو الذي يحيي ويميت.
وملك الموت يتوفى الأنفس ولا يفعل إلا ما يقدره الله سبحانه وتعالى عليهم، فإذا خلق الله عز وجل الخلق، بأن أوجد الجنين في بطن أمه، وصار بأطوار: طور النطفة والعلقة والمضغة، فالله عز وجل يأمر فيكون عظاماً، ثم يأمر فتكسى هذه العظام لحماً، بعد ذلك ينشئ الله نشأة أخرى، فيبعث الملك ويأمره بنفخ الروح، والروح خلقها الله سبحانه وتعالى، والملك سينفخ هذه الروح فقط، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ} [الإنسان:٣٠] أي: لا يقدر الملك على شيء إلا أن يقدره الله سبحانه وتعالى عليه.
فإذاً: الله أعطى هذا الملك القدرة، والله خلق الروح، والله جعل هذه النفس قابلة لهذه الروح وهو المدبر سبحانه وتعالى.
وهو جعل السبب والوسيلة الملك، فهو ينفذ أمر الله سبحانه وتعالى، والله الفاعل حقيقة سبحانه وتعالى، فهذا الجسد أحياه سبحانه، وأوجده، فإذا جاءت الوفاة أرسل ملك الموت وله قدرة عظيمة، يقدره الله على ما يشاء سبحانه، هذا مخلوق من مخلوقات الله سبحانه، قدره أن يقبض نفوس أناس في هذا المكان، وفي مكان آخر، وفي أقصى الدنيا وفي أدنى الدنيا، في وقت واحد يقبض الجميع، كيف يتواجد هنا وهنا وهنا؟ نحن لا نقيس الملك علينا نحن؛ لأن الله عز وجل جعل للإنسان قدرة معينة يتصرف فيها، وعقولنا لا تستوعب أن تفكر فيما هو أعلى مما خلقت له هذه العقول، فلذلك الإنسان لا يستطيع أنه يستوعب كيف يتحرك ملك الموت هنا وهنا وهنا، ويقبض هذا ويقبض هذا ويقبض هذا في وقت واحد، هذا أمر الله سبحانه، فما عليك إلا أن تثق في الله عز وجل وتستيقن من قدرة الله وأن الله على كل شيء قدير.
فالملك يقبض الأرواح، لكن الذي يزهق هذه الروح هو الله سبحانه وتعالى، كما أدخلها فهو الذي يخرجها، وملك الموت ما عليه إلا أن يأخذ هذه الروح وينتزعها، فمن الذي أعطاه القدرة على النزع؟ إنه الله سبحانه الذي دبر له ما يصنعه.
وملك الموت معه أعوان لا يدعونها في يده طرفة عين، فإذا كانت نفساً مؤمنة تقية إذا بهؤلاء ينزلون بأكفان معهم من الجنة وحنوط من الجنة، فلا يدعونها في يده طرفة عين، بل يأخذونها مباشرة ويصعدون بها إلى السماء، فلا يمرون على ملأ فيما بين السماء والأرض إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ يقولون: فلان بن فلان بأطيب أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، فإذا كانت النفس خبيثة، يخرجها ملك الموت وينزل الله عز وجل ملائكة من النار ومعهم أكفان من النار، ومسوح من النار والعياذ بالله، انظر الفرق بين الاثنين! فحين يقبض الملك الروح يقول: اخرجي أيتها الروح الخبيثة، فتخرج الروح ولا تقدر على التمنع، وإن كانت تتشعب في الجسد وتتفرق في الجسد من شدة الرعب والخوف، فإذا به ينتزعها كما ينتزع السفود -أي: السيخ- من الصوف يستخرجها وقد تقطع منه العروق والعصب، فتأتي ملائكة من النار ولا يدعونها في يده طرفة عين، فيأخذونها ويصعدون بها، فلا تمر على أحد فيما بين السماء والأرض إلا قالوا: ما هذه الروح المنتنة الخبيثة؟ فيقال: فلان بن فلان، بأخبث أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا.
إذاً: ملك الموت يتوفاكم ويقبض النفوس وافية، لا يترك منها شيئاً، فيخرج بهذه الروح إما إلى مستقرها في أعلى عليين أو في أسفل سافلين، والكل عند الله سبحانه وتعالى موقوف، حتى يأتي يوم الحساب ليحاسبه الله سبحانه ويجازيه على أعماله.
وقوله تعالى: ((قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ)) أي: هو وكيل في ذلك، وكله الله سبحانه على كل إنسان فلن يتركه حتى يأخذ روحه.
ىجاء في بعض الآثار أن اسم ملك الموت عزرائيل أي: عبد الله، ولم يصح في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التسمية، لكن جاءت بعض الآثار في هذا المعنى.
قوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة:١١] أي: المرجع إلى الله سبحانه وتعالى، ترجعون إليه للجزاء وللحساب.