ومن صفات عباد الرحمن: أنهم يدعون ربهم سبحانه بهذا الدعاء الذي يدل على التواضع، فهم يعرفون قدر أنفسهم، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}[الفرقان:٦٥]، والإنسان كلما ازداد عبادة كلما ازداد قرباً من الله سبحانه وتعالى، فهم يتقربون من ربهم سبحانه، ومع ذلك يخافون عذابه، ومن صفات الأنبياء والمرسلين والأولياء: أنهم يدعون ربهم سبحانه خوفاً وطمعا، ورغباً ورهباً، مع أنهم يحبون ربهم سبحانه، ويتقربون إليه، ويرجون ما عنده من خير، ويخافون ما عنده من عذاب.
فأهل التقوى يخافون على أنفسهم، وقد علموا قول الله سبحانه:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}[مريم:٧١]، فهذا قسم من الله سبحانه، ووعد ووعيد منه سبحانه، فلا بد من المرور على النار كما قال تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ}[مريم:٧١]، أي: ما منكم، وهذا حصر، والمعنى: أن الجميع يردون النار، والورود على الشيء: المرور إليه، فمن الناس من يمر ويدخل النار، ومنهم من يمر فوقها وينجوا، نسأل الله العفو والعافية، قال سبحانه:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}[مريم:٧١]، أي: قضاءً متحتماً قد فرضه الله سبحانه عليكم، قال تعالى:{كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}[مريم:٧١ - ٧٢]، فكأنهم استشعروا ذلك، وعلموا أنهم واردون على النار فقالوا:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ}[الفرقان:٦٥]، وكأنهم في تواضعهم يستشعر أحدهم أنه لم يتقرب إلى الله بشيء يذكر، وأن عبادته إن لم يقبلها الله عز وجل فسيكون من أهل النار، فيقول: يا رب! اصرف عني عذاب جهنم.
قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}[الفرقان:٦٥]، أي: ملازماً، وهي مأخوذة من الغريم، والغريم هو: الإنسان الذي تستلف منه، وتتدين منه، فالعادة أنه يلازمك ولا يفارقك مطالباً بحقه، فكأن النار -والعياذ بالله- عذابها يلازم أهل النار ملازمة الغريم لصاحبه، حتى ينجي الله عز وجل من يشاء بفضله وبرحمته سبحانه، قال تعالى:{إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}[الفرقان:٦٥].