وفي هذه الغزوة جاءت الفرصة التي أظهرت المنافقين في وقت ضعف المسلمين، وفي وقت مجيء أعداء المسلمين، فإن المنافقين يخافون من قوة المسلمين، فإذا كان المسلمون أقوياء فإن النفاق لا يظهر في هؤلاء، وإذا كانوا ضعفاء فإن نفاهم يظهر.
وكان في المدينة منافقون ولم يكونوا في مكة؛ لأن الكفار أقوياء ظاهرون، والمسلمين ضعفاء مستضعفون، فكان المسلم في مكة يخفي إسلامه، أما المنافق فإن قلبه فيه كفر، فإذا كان في مكة أظهر الكفر معهم، وإذا كان في المدينة فإنه يخاف من المسلمين فيظهر لهم الإسلام، فإذا حدثت مصيبة كهذه المصيبة ظهر المنافقون وتكلموا.
فمنهم من قال: إن بيوتنا عورة فإذا وقفنا هنا بجانب جبل سلع والكفار عند جبل أحد فسوف يأتون إلى بيوتنا فيدخلونها.
فيتركون النبي صلى الله عليه وسلم ويستأذنونه ويرجعون إلى بيوتهم من خوفهم ورعبهم وتخذيلهم للمسلمين.
ومنهم من قال: يعدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتح كنوز قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن على نفسه! وذلك لما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم صخرة وحطمها بثلاث ضربات في كل ضربة وجد بشارة من الله عز وجل أن يفتح له بلاد الشام وبلاد الفرس وبلاد الروم وبلاد اليمن، فبشر المسلمين بذلك، فإذا بهؤلاء المنافقين يسخرون ويقولون: يعدنا أن نفتح بلاد قيصر وبلاد كسرى وبلاد اليمن ونحن محتارون في هؤلاء الكفار لا نستطيع أن نعمل شيئاً.
فظهر ما في قلوبهم من الكفر والتكذيب بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يستحيون أن يظهروا هذا الشيء.
فهم يظهرون إذا وجدوا المسلمين في ضعف، فأظهروا نفاقهم لعنة الله عليهم وعلى أمثالهم، يقول قائلهم: يعدنا محمد أن نفتح كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط، قال ذلك من المنافقين معتب بن قشير أحد بني عمرو بن عوف، وممن قال {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ}[الأحزاب:١٣]، أوس بن قيظي.