قال الله تعالى:{وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ}[الحج:٤٤]، أي: قوم شعيب، وكانوا في نعم عظيمة، ومع ذلك كانوا ينقصون الكيل والميزان وهم كفار، فدعاهم شعيب عليه السلام إلى التوحيد فرفضوا، ودعاهم إلى أن يوفوا الكيل والميزان، فقال:{أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}[الشعراء:١٨١ - ١٨٣]، فأبو ذلك، ثم قال لهم نبيهم:{وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ * قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}[الشعراء:١٨٤ - ١٨٥] أي: أنت جئت تدعونا، وأنت رجل مثلنا، لك صدر ولك جسد ولك بدن أو (أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) أي: ممن سُحر فلم يعرف الحق من الباطل.
يقولون ذلك لشعيب، وكان من أفصح الناس في الدعوة إلى الله سبحانه، وكانوا يقولون له عليه الصلاة والسلام:{إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}[هود:٨٧] يعني: أنت تزعم أنك حليم وأنك رشيد وأنت سفيه! كانوا يقولون عنه ذلك، فهم يعرضون بالكلام، فإذا بالله عز وجل يهلك هؤلاء الأقوام، بما أرسل عليهم من الرجفة، وبما أرسل عليهم من عذاب.
قال الله تعالى:{وَكُذِّبَ مُوسَى}[الحج:٤٤] أي: كذبه فرعون، وقد رأى تسع آيات بينات.
قال سبحانه:{فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ}[الحج:٤٤] أي: أمهلتهم وأنظرتهم.
فلما أصروا على طغيانهم {أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}[الحج:٤٤]((فكيف كان نكيري)) هذه قراءة يعقوب فقد كان يقرؤها هكذا ويقف عليها بالياء، يعني: كيف كان إنكاري عليهم، أي: كان إنكاراً عظيماً، وكان إنكاراً فظيعاً شديداً، والله عز وجل أنكر عليهم وقال لهم: لا تفعلوا، فنهاهم في البداية ثم أخذهم أخذ عزيز مقتدر، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:٤٠]، وقال:{ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}[الحج:٤٤].