[تفسير قوله تعالى:(قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين)]
يقول الله عز وجل:{قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ}[الشعراء:٢٥].
ولو كان عنده حجة لنطق بها ولكنه ليست عنده حجة، بل هو إنسان غبي، فيستغل جهل من معه ويقول هذا الأمر، فيجادل موسى أمام الملأ ولا يرد على موسى حجته، فإن موسى يقول:{رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[الشعراء:٢٤] أي: خلق الشمس والقمر، وخلق كذا، وخلق كذا، ولكن فرعون لا يملك ولا يقدر أن يقول: وأنا خلقت كذا وكذا، لذلك ما كان منه إلا أنه قال لهم:{أَلا تَسْتَمِعُونَ}[الشعراء:٢٥] أي: اسمعوا ما يقول، وهذا على وجه التهكم منه، ولو كان يملك حجة لقالها، ولو كان عنده جواب لرد على موسى، ولكن كان جوابه:{أَلا تَسْتَمِعُونَ}[الشعراء:٢٥].
أي: أنا ربكم الذي تعبدونني وهذا يقول لي: هناك رب ثان غيري! فقال موسى مجيباً عليه الصلاة والسلام: {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ}[الشعراء:٢٦]، فهذا الرد كلام رزين وحكيم لمن يتأمل ويفهم إن كان عنده قلب، ففرعون هذا أبوه كان فرعوناً قبله، وجده كان فرعوناً قبله، وآباؤه وأجداده ذهبوا جميعاً، ولو كانوا أرباباً كما يزعمون لعاشوا وما ماتوا، فلذلك يقول له: إن هذا الرب هو الخالق لا يموت، وآباؤك كلهم قد ماتوا قبل ذلك، فأين ذهب هؤلاء الآباء؟ فربي هو الذي خلقك وآباءك السابقين ثم أفناهم، وأنت تكون كذلك.
فقال فرعون رداً على موسى:{قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}[الشعراء:٢٧].
وهذه سفاهات علية القوم، وسفاهات الطبقة العالية التي لا تفهم شيئاً، ففرعون وجنده ووزراؤه عجزوا عن الرد على موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فهو يسفه كلام موسى، ويقول لمن حوله من القوم: هذا رجل مجنون، قال تعالى:{قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}[الشعراء:٢٧]، والمجنون لا أحد يتبعه، فينبغي لكم ألا تتبعوا هذا المجنون بزعم فرعون اللعين، فقال موسى مجيباً له:{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}[الشعراء:٢٨] أي: لو كان عندكم عقول لفهمتم ذلك، فربي وربكم هو الذي خلق المشرق، وخلق المغرب، وخلق ما بينهما، وأنت تقول لقومك: أنا ملك مصر، لكن بقية بلاد العالم أنت لا تملكها، ولو كنت خالقاً لملكت الدنيا كله، ولكن أنت ملك هنا في مصر فقط، وأما ربي فهو الذي خلق مصر وغيرها، وهو رب المشرق ورب المغرب وما بينهما سبحانه وتعالى، ورب كل شيء لو كنتم تعقلون ذلك، ولم يكن مع فرعون من حجة إلا أنه بدأ بالتسفيه، وتعجيب القوم من موسى، وبادعاء أنه مجنون، ولما لم يستفد من ذلك لجأ إلى القوة والبطش.