بدأنا قبل ذلك في هذه السورة الكريمة سورة فصلت، وذكرنا كيف أن الله عز وجل بدأها مع سبع سور من كتاب الله عز وجل متوالية، من أول سورة غافر وحتى سورة الأحقاف، كلهن يبدؤهن الله عز وجل بحرفي حاء وميم (حم)، وهذه الحروف في هذا القرآن العظيم ذكر العلماء أن لها حكماً، وهذه الحروف سر من أسرار هذا القرآن العظيم، ولكن لا يذكر الله عز وجل في افتتاح السور حروفاً أو حرفاً أو حرفين إلا والغالب بعدها أن يشير إلى هذا القرآن العظيم، كما يقول تعالى هنا:{حم * تَنزِيلٌ}[فصلت:١ - ٢] يعني: هذا القرآن نزله الله عز وجل من عنده.
فقوله تعالى:((تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) أي: نزل القرآن من السماء.
وكما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد صحيح: أن القرآن نزل جملة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ونزل منجماً على النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل الأمين، كلما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم أمر أو نزلت به حادثة أو احتاج إلى حكم من الأحكام نزل القرآن عليه يبين له ويفصل له ما يحتاج إليه؛ ولذلك قال تعالى هنا:{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ}[فصلت:٣]، فقوله تعالى:((فُصِّلَتْ)) أي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم منجماً، يعني: مقطعاً، آية آية، سورة سورة، فهي آيات تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تنزل آيات غيرها وهكذا، وهذا معنى التنجيم، أي: نزل مقطعاً على حسب ما يحدث للنبي صلى الله عليه وسلم من حوادث.
قال الله عز وجل:((تَنزِيلٌ)) لأنه نزل من السماء.
وقوله:{مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[فصلت:٢] أي: من عند الله سبحانه الرحمن الرحيم، بمعنى: نزلت هذه الآيات من السماء التي تفيد علو الله سبحانه وتعالى، قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥]، فهو العلي العظيم سبحانه، والكبير المتعال سبحانه وتعالى، وهو الذي استوى على العرش، وهو الذي فوق السموات، قال تعالى:{أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ}[الملك:١٦]، وهو الذي ترفعون إليه أيديكم في الدعاء، كما ثبت في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه:(كان يدعو فيرفع يديه إلى السماء فيدعو ربه سبحانه وتعالى)، فأخبر الله عز وجل أنه نزل الكتاب العظيم من عنده، وذكر صفتين له في اسمين من أسمائه الحسنى: الرحمن الرحيم.