[تفسير قوله تعالى:(وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم)]
قال الله تعالى:{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ}[الشورى:١٤]، رأى النبي صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب في المدينة متفرقين، وهم اليهود، وإن كانوا يزعمون أمامه أنهم متوحدون، وأن بعضهم مع بعض، لكن حقيقتهم أوزاع متفرقون.
فلم يتفرقوا عن جهل، فالله بصرهم، وأرسل إليهم الرسل، وعلمهم وبين لهم، وأنزل عليهم الكتب وأقام عليهم الحجج، وقد أعذر من أنذر، وما قصر من بصر، وآتاهم الله التوراة، ثم أنزل على عيسى الإنجيل فتفرقوا وهم يعلمون.
فما تفرق أهل الكتاب إلا من بعدما جاءهم العلم، فتعلموا فكان منهم الأحبار والرهبان، وتفرقوا مع وجود العلم بسبب البغي فيما بينهم، فقد بغى بعضهم على بعض، وظلم بعضهم بعضاً، وعلا بعضهم على بعض، وغار بعضهم من بعض، وحسد بعضهم بعضاً على ما أعطاهم الله سبحانه، قال تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا}[النساء:٥٤]، فطلبوا الدنيا بالدين فضاع منهم دينهم، وضاعت منهم دنياهم وأخراهم.
وتفرق أهل الكتاب شيعاً، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة.
قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) وهو الدين الخالص الذي نزل من عند الله على النبي صلوات الله وسلامه عليه، قال تعالى:{أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[الزمر:٣]، وقال سبحانه وتعالى:{أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}[يوسف:٤٠].