ثم قص علينا قصة فرعون باختصار، وهذه القصة تقدمت قبل ذلك في عديد من سور القرآن، فقد أشار إليها في سورة البقرة، وأطال في سورة الأعراف في قصة موسى مع فرعون ومع بني إسرائيل، وفي سورة طه كذلك، وفي سورة القصص، وفي سورة الشعراء وغيرها من سور كتاب الله عز وجل.
وموسى هو النبي الذي ابتلي قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أرسله الله إلى بني إسرائيل خاصة، وأنزل عليه التوراة كشريعة له، فلذلك يكثر الله عز وجل ذكر القرآن مقترناً بالتوراة، كما قال تعالى:{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً}[هود:١٧]؛ لكونه كتاب شريعة فيه أوامر ونواهٍ، وفيه بيان الحلال والحرام، وأما كتاب المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فكان كتاب مواعظ، فالذي يشبه القرآن العظيم هو كتاب موسى، قال تعالى:{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً}[هود:١٧] أي: يأتمون بما فيه، ويكون قدوة لبني إسرائيل فيتبعوا ما فيه.
والقرآن العظيم هنا يذكرنا بهذا الذي كان من قبل، فقد فتن قوم فرعون، وجاءهم موسى رسول كريم عليه الصلاة والسلام يطلب منهم أن يتركوا بني إسرائيل ليخرجوا معه إلى بيت المقدس أو إلى أرض الشام، فرفض فرعون ذلك، فأراه الله عز وجل آيات على يد موسى صلوات الله وسلامه عليه، حتى إن فرعون استجاب في النهاية لموسى وقال: خذهم وانصرف من هنا، فلما أخذهم وخرج ببني إسرائيل من مصر إذا بفرعون يتغير ويتذكر أن هؤلاء كانوا خداماً له، فأراد أن يرجعهم مرة ثانية، فأخلف وعده، ونكث عهده، وأراد إرجاعهم مرة ثانية.
فدعا عليهم موسى عليه الصلاة والسلام:{أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ}[الدخان:٢٢]، فقد أجرموا في حق الله عز وجل فأشركوا وكفروا وعلوا على الله، وأجرموا في حق بني إسرائيل وفي حق البشر، فاستعبدوا العباد وجعلوهم يعبدونهم من دون الله سبحانه.