تفسير قوله تعالى: (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً)
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:٣٢].
السماء سقف محفوظ، يعني: من أن يقع ويسقط على الأرض، وهذا صحيح.
والسماء هو كل ما علاك وأظلك، من نجوم وأقمار وكواكب وغيرها، والسماء الدنيا عالية لا يمكن الوصول إليها، وقد زينها الله سبحانه وتعالى بمصابيح، وهي النجوم، إذاً فكل ما هو موجود في هذه السماء يعتبر سماء بالنسبة لنا، والله عز وجل يمسك هذا بقدرته سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:٤١]، وإن هنا بمعنى: ما النافية، {إِنْ أَمْسَكَهُمَا} [فاطر:٤١]، يعني: ما أمسكهما، أي: لا يقدر على إمساكهما أحد من بعده سبحانه وتعالى.
فهنا جعل السماء سقفاً محفوظاً قالوا: محفوظاً من أن يقع ويسقط على الأرض، هذا معنى.
وقيل: محفوظاً بالنجوم من الشياطين، يعني: حفظ السماء بالنجوم من الشياطين الذين يسترقون السمع، وهذا المعنى صحيح أيضاً، قال في آية أخرى: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [الحجر:١٧].
وقيل: محفوظاً من الهدم والنقض، ومن أن يبلغه أحد بحيلة، أي: لا أحد يستطيع أن يصل السماء ويسترق السمع فيها.
أما قول من قال: إننا وصلنا إلى القمر، فنقول: القمر ضاحية من ضواحي الأرض، فأما السماء فإن بيننا وبين أقرب النجوم إلينا مسافة أربع سنوات ضوئية، والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة كاملة، والضوء يقطع حوالي ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية الواحدة، فإذا أردنا أن نعرف هذه المسافة فنضرب ثلاثمائة ألف كيلو متراً في ستين ثانية نحصل على المسافة خلال دقيقة، ثم نضرب هذه المسافة في ستين دقيقة فنحصل على المسافة خلال ساعة، ثم نضربها في أربعة وعشرين ساعة فنحصل على المسافة خلال يوم، ثم نضرب هذه المسافة في ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً فنحصل على المسافة خلال سنة، فسبحان الله العظيم! فالغرض أن الله عز وجل جعل هذه السماء سقفاً محفوظاً، فلا يقدر أحد أن يصل إلى السماء التي فيها أمر الله عز وجل لا بحيلة ولا بغيرها، فلا يصلها إلا من شاء سبحانه وتعالى.
وقيل: سقفاً محفوظاً فلا يحتاج إلى عمد يرفع عليها.
وقيل: ((مَحْفُوظًا))، أي: مرفوعاً، وقيل: محفوظاً من الشرك ومن المعاصي.
كذلك الغلاف الجوي للأرض وهو ما حول الأرض؛ جعله الله سبحانه وتعالى حافظاً لما تحته، فقد حفظ جو الأرض من مصائب كثيرة جداً، منها الإشعاعات التي تأتي من الكواكب التي حول الأرض، ومنها الحجارة الكثيرة التي تنتج من اصطدام المذنبات بالشمس أو بغيرها من الكواكب، حيث يتجه بعضها نحو الأرض فيدخل الغلاف الجوي للأرض ويقوم بإذابتها وحفظ سطح الأرض، وهذه الحجارة كثيرة جداً تقدر بالملايين في اللحظات القليلة.
فالله سبحانه وتعالى من فضله وكرمه جعل احتراقها بسبب سرعتها، فهي تجري بسرعة عظيمة تصل إلى حوالي أربعة وسبعين ألف كيلو متر في الساعة الواحدة، وبعضها يشاء الله عز وجل أن تدخل إلى الغلاف الجوي، فإذا دخلت فإن الهواء يقوم بتقليل سرعتها، وربما بعد ذلك يقوم بإحراقها، أو يصل بعضها إلى الأرض ويعمل حفراً كبيرة، وقد بلغ عدد هذه الحفر أكثر من مائة وعشرين حفرة.
فالله عز وجل يجعل هذه تخترق الغلاف الجوي؛ ليرينا آية من آياته، وهي أنه لو شاء لجعل هذه الملايين من الحجارة كلها تخترق الغلاف الجوي وتنزل على الأرض، ولجعل الإشعاعات الضارة التي تخرج من الشمس تخترق الغلاف الجوي كذلك وتدخل علينا فتؤذينا، ولكن الله سبحانه جعل حولنا سقفاً محفوظاً يحفظ هذه الأرض وهو الغلاف الجوي حولها.
قال سبحانه وتعالى بعد أن ذكر هذه الآيات: {وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:٣٢]، هم عن آيات الليل والنهار، عن آيات خلق الله سبحانه وتعالى لهذا الكون معرضون، أي: معرضون عن الله وعن معرفة الله؛ لذلك فهم لم يعرفوا الله جل وعلا، ولم يقوموا بعبادته سبحانه وتعالى، بل أعرضوا عن عبادته فاحتاجوا أن يرسل إليهم رسلاً يدعونهم أن يعبدوا الله وحده لا شريك له.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.