للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب)

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الزمر: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الزمر:٤٧ - ٥٢].

يخبر الله سبحانه تبارك وتعالى في هذه الآيات من سورة الزمر عن حال المشركين يوم القيامة، وحال الظلمة والمجرمين، أنه لو كان لأحدهم يوم القيامة ملء الأرض من الذهب، ومثله معه أي: ملؤها مرة أخرى لافتدى بها يوم القيامة من سوء العذاب ومن سوء الحساب، ما تقبل منهم! قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} [الزمر:٤٧] أي: الذين كذبوا وأشركوا بالله سبحانه {مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:٤٧]، وإذا كان المرء في الدنيا لا يملك ما في الأرض جميعاً فكيف به يوم القيامة؟! إذ الأرض يوزعها الله عز وجل بين عباده، فهذا يملك شيئاً وذاك يملك شيئاً، ولا أحد من ملوك الأرض يملك جميع ما في الأرض، ولكن الله عز وجل يُملّك من يشاء ما يشاء من الدنيا، فيملك ناساً بعضاً من كنوزها، وآخرين منافعها، وهكذا ويخاطبهم الله في الآية على فرض أن يملك أحدهم يوم القيامة مثل هذه الأرض، فيملك كنوزها ومثل هذه الكنوز معها لافتدى بهذا كله من عذاب الله يوم القيامة، قال تعالى: {لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧]، فقد كانوا في الدنيا في غفلة، وكان أحدهم يسوف ويقول: غداً أتوب، وغداً أوحد الله ولا أشرك به، وغداً أفعل كذا، ولكن هذا الغد لم يأت إلا وقد ماتوا على كفرهم وعلى شركهم، وعلى فسوقهم وعصيانهم، فماتوا على غير توبة، فإذا بهم يوم القيامة يودون الرجوع ولا رجوع، ويودون أن لو يفتدوا وكيف وهم لا يملكون شيئاً، ولو كانوا يملكون شيئاً ما تقبل منهم ذلك؟! قال الله سبحانه: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧] أي: بدا لهم من الله عز وجل ما لم يكن في ضميرهم، وما لم يدر في خلدهم أن يفعل بهم ذلك، وإن قالوا: كنا نحسن الظن، لكنهم أساءوا العمل، أو قالوا: كنا نحسن الظن، لكنهم وقعوا في الشرك بالله سبحانه، فلم يَتقبل منهم شيئاً من أعمالهم.

قال تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} [الزمر:٤٨]، فقد كسبوا السيئات، وجزاء سيئة بمثلها، وأساءوا فكان لهم من الله عز وجل ما يسوءهم، وهو العقاب الشديد، فكان الجزاء جزاءً وفاقاً، {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ} [الزمر:٤٨] أي: عقوبات ما اجترحوا في الدنيا وكسبوا من الكفر والمعاصي.

وقوله تعالى: {وَحَاقَ بِهِمْ} [الزمر:٤٨] أي: نزل بهم نزول مصيبة، (حاق) بمعنى: أحدق بهم وأحاط بهم، فلم يفلتوا منه، وما ذلك إلا جزاء: {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} [الزمر:٤٨] أي: ما كانوا يسخرون من المؤمنين في الدنيا، ومن البعث والنشور، ومن القيام من القبور، ومن الحساب والجزاء، ومن عقوبة الله سبحانه تبارك وتعالى يوم القيامة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>