للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة وهو على كل شيء قدير)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ * أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الشورى:٨ - ٩].

يخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أنه لو شاء لجعل الناس أمة واحدة، ولكن الله سبحانه وتعالى له حكمة عظيمة بالغة أن يخلق العباد فمنهم مؤمن ومنهم كافر، كما قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن:٢] فهو خلقهم لحكمة منه سبحانه، فالله عنده ملائكة يعبدونه ليل نهار، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فأراد أن يخلق خلقاً يختبرهم ويبتليهم، قال الله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:٧٢]، فعرضت أمانة التكاليف على السماوات فأبت وخافت من الحساب يوم القيامة، وعرضت على الأرض فأبت، وعرضت على الجبال فرفضت، وعرضت على الإنسان فقبل وتحمل ذلك، قال الله عز وجل: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:٧٢]، كأن المعنى هنا: جنس الإنسان الذي أخذ والذي قبل وهو آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ففي ذرية آدم الظلم وفيهم الجهل، فوصف الجميع بهذه الصفة، فقال: (إِنَّهُ) أي: الإنسان: (كَانَ ظَلُومًا)، أي: فيه ظلم وفيه بغي، (جهولاً) أي: لا يدري مصلحة نفسه، فيجهل فيقع في الخطأ.

قال الله تعالى هنا: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)، فالله تعالى يرحم من عباده الرحماء، يرحم من عباده من يعبده ولا يشرك به شيئاً، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] لكن من عبد غير الله فهذا هو الذي ظلم نفسه، وهذا هو الذي يستحق العذاب، وهذا الذي يعبد غير الله هل وجد في غير الله سبحانه صفات هو بسببها يستحق أن يعبد؟! هل هذا يصلح أن يتولى أمره هذا الصنم الذي يعبده، أو الجني الذي يتقرب إليه؟! هل يصلح أن يتولى أمره وأن يرزقه وأن يعطيه وأن يمنعه وأن يرفعه وأن يضعه؟! هل يصلح لذلك؟! قال سبحانه: ((أَمِ اتَّخَذُوا))، هذه (أم) الإضرابية المقدرة ببل والهمزة، والمعنى: اضرب عن هذا وانظر فيما يقول هؤلاء: هل اتخذوا من دون الله من يصلح لهذه الصفة أن يكون إلهاً، أم أنهم صنعوا من الأحجار آلهة فعبدوها وهم موقنون أنها لا تنفع ولا تضر؟! قال تعالى: (فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، أي: الله سبحانه وتعالى هو الولي وحده الذي يتولى أمر خلقه ويدبر الأمر، قال تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد:٢]، أي: الله يدبر أمر كونه، فهو القائم والقاهر فوق عباده، وهو الحي القيوم الذي يقوم بكل شيء، وكل شيء لا يقوم إلا به سبحانه وتعالى، فهو يتولى أمرك، ويصلح لك حياتك ومعيشتك، قال تعالى: ((فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))، هذه صفة فعل من أفعاله سبحانه وتعالى، فهو الرب يفعل ما يشاء سبحانه وتعالى.

فهل هذه الآلهة تحيي الموتى؟ الله وحده هو الذي يحيي الموتى لا شريك له، وهو على كل شيء قدير، وكل ما يكون من شيء فالله هو الذي يوجده ويكونه سبحانه وتعالى، وهو القادر على أن يبيده ويهلكه، فهو كما أنشأه من عدم قادر أن يرده إلى العدم مرة ثانية، فهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>