فعلى العبد أن يثق في لطف الله سبحانه وتعالى، فإذا عجل لك شيئاً فقد ادخر لك أشياء، فتحمد ربك أنه لم يعطلك الدنيا كلها، فقد كان أصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه يقولون: نخشى أن تكون عجلت لنا طيباتنا؛ لأن الكفار عجلت لهم طيباتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رآه عمر بن الخطاب في مشربة له -في غرفة مرتفعة- وكان قد خاصم صلوات الله وسلامه عليه نساءه، فأراد الناس أن يستأذنوا عليه، فلم يدخل عليه أحد، فجاء عمر يستأذن ليدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أبو زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو وزير النبي صلوات الله وسلامه عليه في أمره وفي دعوته عليه الصلاة والسلام، فاستأذن فلم يأذن له، فاستأذن ثانية فلم يأذن، فاستأذن ثالثة فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل عمر رضي الله عنه، قال: فما وجدت شيئاً يرد البصر، الحجرة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم لا تحوي شيئاً يرد البصر؛ لأن الإنسان الذي يدخل ويريد أن ينظر في هذه الغرفة لا يجد شيئاً يرد بصره؛ لأن الغرفة خالية لا تحوي شيئاً إلا سريراً ينام عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا السرير مفروش بحصير، والحصير قد أثرت في جنب النبي صلى الله عليه وسلم، فجلس ونظر عمر فلم يجد إلا إهاباً معلقاً، جلد خروف قبل أن يدبغ، وكأنه جاهز ليدبغ.
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت! وأنت رسول الله هكذا، وقيصر وكسرى على الحرير وعلى الذهب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! قال: لا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: أولئك قوم قد عجلت لهم طيباتهم) كأن الله سبحانه أعطاهم الدنيا حتى يحرموا من الآخرة، فلا يكون لهم عند الله عز وجل يوم القيامة شيء، فإذا صنعوا معروفاً في الدنيا جوزوا عليه في الدنيا، أما الإنسان المؤمن فيدخر له إلى يوم القيامة.
((اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ)) يلطف بك بعلمه الخفي، وبره الحفي، فيعطيك شيئاً، ويدخر لك الكثير عنده سبحانه وتعالى، وهذا الذي يصنعه الإنسان الذي يخاف على نفسه من الدنيا، ويخاف على نفسه من النار يوم القيامة، ينفق في الدنيا شيئاً، ويدخر عند الله عز وجل الأشياء الكثيرة التي تنفعه، فقد ورد أنهم ذبحوا للنبي صلى الله عليه وسلم شاة وفرقوا منها، فلما جاء صلوات الله وسلامه عليه سأل فقال:(ما بقي منها؟ قالت له عائشة: لم يبق منها إلا الكتف، فقال: بل بقي جميعها إلا الكتف)، أي: الذي وزعتموه على الفقراء والمساكين هو الذي بقي ليوم القيامة، وهو الذي نؤجر عليه، والذي أكلناه في الدنيا فقد أكلناه ونفد، قال عز وجل:{مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}[النحل:٩٦] فالشيء الذي معك في الدنيا هو القابل للنفاد، وأما الذي ادخرته عند الله فهو باقٍ لا يضيع أبداً.